فصل: مَا يَدْخُلُ فِي نِكَاحِ الْخِيَارِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


كِتَابُ الشِّغَارِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الشِّغَارِ» وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الرَّجُلُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ لاَ أَدْرِي تَفْسِيرَ الشِّغَارِ فِي الْحَدِيثِ أَوْ مِنْ ابْنِ عُمَرَ أَوْ نَافِعٍ أَوْ مَالِكٌ وَهَكَذَا كَمَا قَالَ الشِّغَارُ فَكُلُّ مَنْ زَوَّجَ رَجُلاً امْرَأَةً يَلِي أَمْرَهَا بِوِلاَيَةِ نَفْسِ الْأَبِ الْبِكْرَ أَوْ الْأَبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لِامْرَأَةٍ عَلَى أَنَّ صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى فَهُوَ الشِّغَارُ‏.‏

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ «إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الشِّغَارِ»‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لاَ شِغَارَ فِي الْإِسْلاَمِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِذَا أَنْكَحَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا مَنْ كَانَتْ عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ ابْنَتَهُ أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا مَنْ كَانَتْ عَلَى أَنَّ صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى وَلَمْ يُسَمَّ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقٌ فَهَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ يَحِلُّ النِّكَاحُ وَهُوَ مَفْسُوخٌ وَإِنْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَهُوَ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ لاَ يَخْتَلِفَانِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الرَّجُلَ أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا عَلَى أَنَّ صَدَاقَ إحْدَاهُمَا كَذَا لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ وَصَدَاقَ الْأُخْرَى كَذَا لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ عَلَى أَنْ يُسَمِّيَ لِإِحْدَاهُمَا صَدَاقًا وَلَمْ يُسَمِّ لِلْأُخْرَى صَدَاقًا أَوْ قَالَ لاَ صَدَاقَ لَهَا فَلَيْسَ هَذَا بِالشِّغَارِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَالْمَهْرُ فَاسِدٌ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا إذَا دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَتْ أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَنِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ طَلُقَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ عَطَاءً وَغَيْرَهُ يَقُولُونَ يَثْبُتُ النِّكَاحُ وَيُؤْخَذُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا فَلِمَ لَمْ تَقُلْهُ وَأَنْتَ تَقُولُ يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِغَيْرِ مَهْرٍ وَيَثْبُتُ بِالْمَهْرِ الْفَاسِدِ وَتَأْخُذُ مَهْرَ مِثْلِهَا‏؟‏ فَأَكْثَرُ مَا فِي الشِّغَارِ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ فِيهِ فَاسِدًا أَوْ يَكُونَ بِغَيْرِ مَهْرٍ‏؟‏ قِيلَ لَهُ أَبَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ النِّسَاءَ مُحَرَّمَاتٌ إلَّا بِمَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَيِّنَ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَيْفَ النِّكَاحُ الَّذِي يَحِلُّ فَمَنْ عَقَدَ نِكَاحًا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَقَدَ نِكَاحًا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ، وَمَنْ نَكَحَ كَمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَهُوَ عَاصٍ بِالنِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمَعْصِيَةِ إنْ أَتَاهَا عَلَى جَهَالَةٍ فَلاَ يَحِلُّ الْمُحَرَّمُ مِنْ النِّسَاءِ بِالْمُحَرَّمِ مِنْ النِّكَاحِ وَالشِّغَارُ مُحَرَّمٌ بِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ وَهَكَذَا كُلُّ مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِكَاحٍ لَمْ يَحِلَّ بِهِ الْمُحَرَّمُ وَبِهَذَا قُلْنَا فِي الْمُتْعَةِ وَنِكَاحِ الْمُحَرَّمِ وَمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ نِكَاحٍ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لاَ يَحِلُّ بِهِ فَرْجُ الْأَمَةِ فَإِذَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النِّكَاحِ فِي حَالٍ فَعَقَدَ عَلَى نَهْيِهِ كَانَ مَفْسُوخًا لِأَنَّ الْعَقْدَ لَهُمَا كَانَ بِالنَّهْيِ وَلاَ يَحِلُّ الْعَقْدُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مُحَرَّمًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيُقَالُ لَهُ إنَّمَا أَجَزْنَا النِّكَاحَ بِغَيْرِ مَهْرٍ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً‏}‏ الآيَةَ‏.‏ فَلَمَّا أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الطَّلاَقَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ لِأَنَّ الطَّلاَقَ لاَ يَقَعُ إلَّا مِنْ نِكَاحٍ ثَابِتٍ فَأَجَزْنَا النِّكَاحَ بِلاَ مَهْرٍ وَلَمَّا أَجَازَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِلاَ مَهْرٍ كَانَ عَقْدُ النِّكَاحِ عَلَى شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا نِكَاحٌ وَالْآخَرُ مَا يُمْلَكُ بِالنِّكَاحِ مِنْ الْمَهْرِ فَلَمَّا جَازَ النِّكَاحُ بِلاَ مِلْكِ مَهْرٍ فَخَالَفَ الْبُيُوعَ وَكَانَ فِيهِ مَهْرُ مِثْلِ الْمَرْأَةِ إذَا دَخَلَ بِهَا وَكَانَ كَالْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ يَكُونُ فِيهَا قِيمَتُهَا كَانَ الْمَهْرُ إذَا كَانَ فَاسِدًا لاَ يَفْسُدُ النِّكَاحُ وَلَمْ يَكُنْ فِي النِّكَاحِ بِلاَ مَهْرٍ وَلاَ فِي النِّكَاحِ بِالْمَهْرِ الْفَاسِدِ نَهْيٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُحَرِّمُهُ بِنَهْيِهِ كَمَا كَانَ فِي الشِّغَارِ فَأَجَزْنَا مَا أَجَازَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَنْهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ عَنْ شَيْءٍ عَلِمْنَاهُ وَرَدَدْنَا مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ هَذَا الْوَاجِبُ عَلَيْنَا الَّذِي لَيْسَ لَنَا وَلاَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِلَ عَنْ اللَّهِ جَلَّ وَعَلاَ شَيْئًا عَلِمْنَا غَيْرَهُ‏.‏ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ‏:‏ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلاً نَكَحَ امْرَأَةً عَلَى حُكْمِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَاحْتَكَمَتْ رَقِيقًا مِنْ بِلاَدِهِ فَأَبَى فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه فَقَالَ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَحْسَبُهُ قَالَ يَعْنِي مَهْرَ امْرَأَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

نِكَاحُ الْمُحْرِمِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نَبِيهِ بْنِ وَهْبٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ فَأَرْسَلَ إلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ لِيَحْضُرَ ذَلِكَ وَهُمَا مُحْرِمَانِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَبَانُ وَقَالَ سَمِعْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله تعالى عنه يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلاَ يُنْكِحُ وَلاَ يَخْطُبُ»‏.‏

وَأَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَبِيهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَعْنَاهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلاَهُ وَرَجُلاً مِنْ الْأَنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ»‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ مَيْمُونَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكَحَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلاَلٌ»‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ الْأُمَوِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ‏:‏ قَالَ وَهَمَ الَّذِي رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكَحَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ مَا نَكَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا وَهُوَ حَلاَلٌ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ بْنِ طُرَيْفٍ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ طَرِيفًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه نِكَاحَهُ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ وَلاَ يَخْطُبُ عَلَى نَفْسِهِ وَلاَ عَلَى غَيْرِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ لاَ يَلِي مُحْرِمٌ عُقْدَةَ نِكَاحٍ لِنَفْسِهِ وَلاَ لِغَيْرِهِ فَإِنْ تَزَوَّجَ الْمُحْرِمُ فِي إحْرَامِهِ وَكَانَ هُوَ الْخَاطِبَ لِنَفْسِهِ أَوْ خَطَبَ عَلَيْهِ حَلاَلٌ بِأَمْرِهِ فَسَوَاءٌ لِأَنَّهُ هُوَ النَّاكِحُ وَنِكَاحُهُ مَفْسُوخٌ‏.‏

وَهَكَذَا الْمُحْرِمَةُ لاَ يُزَوِّجُهَا حَرَامٌ وَلاَ حَلاَلٌ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُتَزَوِّجَةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَ الْمُحْرِمُ امْرَأَةً حَلاَلاً أَوْ وَلِيُّهَا حَلاَلٌ فَوَكَّلَ وَلِيُّهَا حَرَامًا فَزَوَّجَهَا كَانَ النِّكَاحُ مَفْسُوخًا لِأَنَّ الْمُحْرِمَ عَقَدَ النِّكَاحَ قَالَ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَشْهَدَ الْمُحْرِمُونَ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَيْسَ بِنَاكِحٍ وَلاَ مُنْكِحٍ وَلَوْ تَوَقَّى رَجُلٌ أَنْ يَخْطُبَ امْرَأَةً مُحْرِمَةً كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَلاَ أَعْلَمُهُ يُضَيَّقُ عَلَيْهِ خِطْبَتُهَا فِي إحْرَامِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُعْتَدَّةٍ وَلاَ فِي مَعْنَاهَا وَمَتَى خَرَجَتْ مِنْ إحْرَامِهَا جَازَ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ وَقَدْ تَكُونُ مُعْتَمِرَةً فَيَكُونُ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ إحْرَامِهَا بِأَنْ تُعَجِّلَ الطَّوَافَ وَحَاجَّةً فَيَكُونُ لَهَا ذَلِكَ بِأَنْ تُعَجِّلَ الزِّيَارَةَ يَوْمَ النَّحْرِ فَتَطُوفَ‏.‏

وَالْمُعْتَدَّةُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُقَدِّمَ الْخُرُوجَ مِنْ عِدَّتِهَا سَاعَةً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأَيُّ نِكَاحٍ عَقَدَهُ مُحْرِمٌ لِنَفْسِهِ أَوْ مُحْرِمٌ لِغَيْرِهِ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ فَإِذَا دَخَلَ بِهَا فَأَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إلَّا مَا سَمَّى لَهَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَهُ أَنْ يَخْطُبَهَا إذَا حَلَّتْ مِنْ إحْرَامِهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ وَلَوْ تَوَقَّى كَانَ ذَلِكَ أَحَبَّ إلَيَّ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ تَعْتَدُّ مِنْ مَائِهِ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ مِنْ مَاءٍ فَاسِدٍ‏.‏

قَالَ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ فَإِنْ نَكَحَهَا هُوَ فَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى ثَلاَثِ تَطْلِيقَاتٍ لِأَنَّ الْفَسْخَ لَيْسَ بِطَلاَقٍ، وَإِنْ خَطَبَ الْمُحْرِمُ عَلَى رَجُلٍ وَوَلِيَ عُقْدَةَ نِكَاحِهِ حَلاَلٌ فَالنَّاكِحُ جَائِزٌ إنَّمَا أَجَزْنَا النِّكَاحَ بِالْعَقْدِ وَأَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا أَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى نَفْسِهِ وَلاَ تُفْسِدُ مَعْصِيَتُهُ بِالْخِطْبَةِ إنْكَاحَ الْحَلاَلِ وَإِنْكَاحُهُ طَاعَةٌ فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَمِرَةً أَوْ كَانَ مُعْتَمِرًا لَمْ يَنْكِحْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ فَإِنْ نَكَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فَنِكَاحُهُ مَفْسُوخٌ فَإِنْ كَانَتْ أَوْ كَانَا حَاجَّيْنِ لَمْ يَنْكِحْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَرْمِيَ وَيَحْلِقَ وَيَطُوفَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهُ فَأَيَّهُمَا نَكَحَ قَبْلَ هَذَا فَنِكَاحُهُ مَفْسُوخٌ وَذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ كَالْجِمَاعِ فَمَتَى لَمْ يَحِلَّ لِلْمُحْرِمِ الْجِمَاعُ مِنْ الْإِحْرَامِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ عَقْدُ النِّكَاحِ وَإِذَا كَانَ النَّاكِحُ فِي إحْرَامٍ فَاسِدٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ النِّكَاحُ فِيهِ كَمَا لاَ يَجُوزُ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ الصَّحِيحِ وَإِنْ كَانَ النَّاكِحُ مُحْصِرًا بَعْدُ وَلَمْ يَنْكِحْ حَتَّى يَحِلَّ وَذَلِكَ أَنْ يَحْلِقَ وَيَنْحَرَ فَإِنْ كَانَ مُحْصِرًا بِمَرَضٍ لَمْ يَنْكِحْ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَصْلُ هَذَا أَنْ يُنْظَرَ إلَى عَقْدِ النِّكَاحِ فَإِنْ كَانَ قَدْ حَلَّ لِلْمُحْرِمِ مِنْهُمَا الْجِمَاعُ فَأُجِيزُهُ، وَإِنْ كَانَ الْجِمَاعُ لَمْ يَحِلَّ لِلْمُحْرِمِ مِنْهُمَا لِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ فَأُبْطِلُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيُرَاجِعُ الْمُحْرِمُ امْرَأَتَهُ وَتُرَاجِعُ الْمُحْرِمَةُ زَوْجَهَا لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَيْسَتْ بِابْتِدَاءِ نِكَاحٍ إنَّمَا هِيَ إصْلاَحُ شَيْءٍ أُفْسِدَ مِنْ نِكَاحٍ كَانَ صَحِيحًا إلَى الزَّوْجِ إصْلاَحُهُ دُونَ الْمَرْأَةِ وَالْوُلاَةِ وَلَيْسَ فِيهِ مَهْرٌ وَلاَ عِوَضٌ وَلاَ يُقَالُ لِلْمُرَاجِعِ نَاكِحًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيَشْتَرِي الْمُحْرِمُ الْجَارِيَةَ لِلْجِمَاعِ وَالْخِدْمَةِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَيْسَ كَالنِّكَاحِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَمَا يَشْتَرِي الْمَرْأَةَ وَوَلَدَهَا وَأُمَّهَا وَأَخَوَاتِهَا وَلاَ يَنْكِحُ هَؤُلاَءِ مَعًا لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِلْكٌ فَإِنْ كَانَ يَحِلُّ بِهِ الْجِمَاعُ بِحَالٍ فَلَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَ النِّكَاحِ فَنَنْهَاهُ عَنْ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النِّكَاحِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ رَجُلاً أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً ثُمَّ أَحْرَمَ فَزَوَّجَهُ وَهُوَ بِبَلَدِهِ أَوْ غَائِبٌ عَنْهُ يَعْلَمُ بِإِحْرَامِهِ أَوْ لاَ يَعْلَمُ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ إذَا عَقَدَهُ وَالْمَعْقُودُ لَهُ مُحْرِمٌ، قَالَ وَلَوْ عَقَدَ وَهُوَ غَائِبٌ فِي وَقْتٍ فَقَالَ لَمْ أَكُنْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُحْرِمًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِإِحْرَامِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيُفْسَخُ النِّكَاحُ، وَلَوْ زَوَّجَهُ فِي وَقْتٍ فَقَالَ الزَّوْجُ لاَ أَدْرِي كُنْت فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُحْرِمًا أَوْ حَلاَلاً أَوْ لَمْ أَعْلَمْ مَتَى كَانَ النِّكَاحُ كَانَ الْوَرَعُ أَنْ يَدَعَ النِّكَاحَ وَيُعْطِيَ نِصْفَ الصَّدَاقِ إنْ كَانَ سَمَّى وَالْمُتْعَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ سَمَّى وَيُفَرِّقُ فِي ذَلِكَ بِتَطْلِيقَةٍ وَيَقُولُ إنْ لَمْ أَكُنْ كُنْت مُحْرِمًا فَقَدْ أَوْقَعْت عَلَيْهَا تَطْلِيقَةً وَلاَ يَلْزَمُهُ فِي الْحُكْمِ مِنْ هَذَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ عَلَى إحْلاَلِ النِّكَاحِ حَتَّى يَعْلَمَ فَسْخَهُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ بِمَا يَقُولُ فِي أَنَّ النِّكَاحَ كَانَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَإِنْ كَذَّبَتْهُ أَلْزَمْتُهُ لَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا حِينَ تَزَوَّجَ وَفَسَخْتُ النِّكَاحَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ أَنَّ نِكَاحَهُ كَانَ فَاسِدًا‏.‏

وَإِنْ قَالَتْ لاَ أَعْرِفُ أَصَدَقَ أَمْ كَذَبَ قُلْنَا نَحْنُ نَفْسَخُ النِّكَاحَ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ قُلْتَ كَذَبَ أَخَذْنَا لَك نِصْفَ الْمَهْرِ لِأَنَّكِ لاَ تَدْرِينَ ثُمَّ تَدْرِينَ وَإِنْ لَمْ تَقُولِي هَذَا لَمْ نَأْخُذْ لَك شَيْئًا وَلاَ نَأْخُذُ لِمَنْ لاَ يَدَّعِي شَيْئًا‏.‏

وَإِنْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ أَنْكَحْتُ وَأَنَا مُحْرِمَةٌ فَصَدَّقَهَا أَوْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ وَإِنْ نَكَحَ أَمَةً فَقَالَ سَيِّدُهَا أَنْكَحْتهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ وَقَالَتْ ذَلِكَ الْأَمَةُ أَوْ لَمْ تَقُلْهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ الزَّوْجُ فَلاَ مَهْرَ لَهَا وَإِنْ كَذَّبَهُ وَكَذَّبَهَا فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ إذَا حَلَفَ الزَّوْجُ‏.‏

نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ

أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ وَكَانَ الْحَسَنُ أَرْضَاهُمَا عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ‏.‏

وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَجِمَاعُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كُلُّ نِكَاحٍ كَانَ إلَى أَجَلٍ مِنْ الْآجَالِ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ نَكَحْتُك يَوْمًا أَوْ عَشْرًا أَوْ شَهْرًا أَوْ نَكَحْتُك حَتَّى أَخْرُجَ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ أَوْ نَكَحْتُك حَتَّى أُصِيبَك فَتَحِلِّينَ لِزَوْجٍ فَارَقَك ثَلاَثًا أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا لاَ يَكُونُ فِيهِ النِّكَاحُ مُطْلَقًا لاَزِمًا عَلَى الْأَبَدِ أَوْ يُحْدِثُ لَهَا فُرْقَةً، وَنِكَاحُ الْمُحَلِّلِ الَّذِي يُرْوَى أَنَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَهُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ضَرْبٌ مِنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطْلَقٍ إذَا شَرَطَ أَنْ يَنْكِحَهَا حَتَّى تَكُونَ الْإِصَابَةُ فَقَدْ يَسْتَأْخِرُ ذَلِكَ أَوْ يَتَقَدَّمُ، وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَقَدَ عَلَيْهَا النِّكَاحَ إلَى أَنْ يُصِيبَهَا فَإِذَا أَصَابَهَا فَلاَ نِكَاحَ لَهُ عَلَيْهَا، مِثْلُ أَنْكِحُك عَشْرًا فَفِي عَقْدِ أَنْكِحُك عَشْرًا أَنْ لاَ نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك بَعْدَ عَشْرٍ كَمَا فِي عَقْدِ أَنْكِحُك لِأُحْلِلك أَنِّي إذَا أَصَبْتُك فَلاَ نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك بَعْدَ أَنْ أَصَبْتُك كَمَا يُقَالُ أَتَكَارَى مِنْك هَذَا الْمَنْزِلَ عَشْرًا أَوْ أَسْتَأْجِرُ هَذَا الْعَبْدَ شَهْرًا، وَفِي عَقْدِ شَهْرٍ أَنَّهُ إذَا مَضَى فَلاَ كِرَاءَ وَلاَ إجَارَةَ لِي عَلَيْك، وَكَمَا يُقَالُ أَتَكَارَى هَذَا الْمَنْزِلَ مُقَامِي فِي الْبَلَدِ، وَفِي هَذَا الْعَقْدِ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ فَلاَ كِرَاءَ لَهُ، وَهَذَا يَفْسُدُ فِي الْكِرَاءِ فَإِذَا عَقَدَ النِّكَاحَ عَلَى وَاحِدٍ مِمَّا وَصَفْت فَهُوَ دَاخِلٌ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ نِكَاحٍ إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ لاَ مِيرَاثَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَلَيْسَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأَزْوَاجِ طَلاَقٍ وَلاَ ظِهَارٍ وَلاَ إيلاَءٍ وَلاَ لِعَانٍ إلَّا بِوَلَدٍ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصِبْهَا فَلاَ مَهْرَ لَهَا وَإِنْ كَانَ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لاَ مَا سَمَّى لَهَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلاَ نَفَقَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلاً، وَإِنْ نَكَحَهَا بَعْدَ هَذَا نِكَاحًا صَحِيحًا فَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى ثَلاَثٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ قَدِمَ رَجُلٌ بَلَدًا وَأَحَبَّ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً وَنِيَّتُهُ وَنِيَّتُهَا أَنْ لاَ يُمْسِكَهَا إلَّا مُقَامَهُ بِالْبَلَدِ أَوْ يَوْمًا أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً كَانَتْ عَلَى هَذَا نِيَّتُهُ دُونَ نِيَّتِهَا أَوْ نِيَّتُهَا دُونَ نِيَّتِهِ أَوْ نِيَّتُهُمَا مَعًا وَنِيَّةُ الْوَلِيِّ غَيْرَ أَنَّهُمَا إذَا عَقَدَا النِّكَاحَ مُطْلَقًا لاَ شَرْطَ فِيهِ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَلاَ تُفْسِدُ النِّيَّةُ مِنْ النِّكَاحِ شَيْئًا لِأَنَّ النِّيَّةَ حَدِيثُ نَفْسٍ وَقَدْ وُضِعَ عَنْ النَّاسِ مَا حَدَّثُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَقَدْ يَنْوِي الشَّيْءَ وَلاَ يَفْعَلُهُ وَيَنْوِيهِ وَيَفْعَلُهُ فَيَكُونُ الْفِعْلُ حَادِثًا غَيْرَ النِّيَّةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَكَحَهَا وَنِيَّتُهُ وَنِيَّتُهَا أَوْ نِيَّةُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ أَنْ لاَ يُمْسِكَهَا إلَّا قَدْرَ مَا يُصِيبُهَا فَيُحَلِّلُهَا لِزَوْجِهَا ثَبَتَ النِّكَاحُ وَسَوَاءٌ نَوَى ذَلِكَ الْوَلِيُّ مَعَهُمَا أَوْ نَوَى غَيْرَهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ وَلاَ غَيْرَهُ وَالْوَالِي وَالْوَلِيُّ فِي هَذَا لاَ مَعْنًى لَهُ أَنْ يُفْسِدَ شَيْئًا مَا لَمْ يَقَعْ النِّكَاحُ بِشَرْطٍ يُفْسِدُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُرَاوَضَةٌ فَوَعَدَهَا إنْ نَكَحَهَا أَنْ لاَ يُمْسِكَهَا إلَّا أَيَّامًا أَوْ إلَّا مُقَامَهُ بِالْبَلَدِ أَوْ إلَّا قَدْرَ مَا يُصِيبُهَا كَانَ ذَلِكَ بِيَمِينٍ أَوْ غَيْرَ يَمِينٍ فَسَوَاءٌ وَأَكْرَهُ لَهُ الْمُرَاوَضَةَ عَلَى هَذَا وَنَظَرْت إلَى الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ مُطْلَقًا لاَ شَرْطَ فِيهِ فَهُوَ ثَابِتٌ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مَا لِلزَّوْجَيْنِ وَإِنْ انْعَقَدَ عَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ فَسَدَ وَكَانَ كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَأَيُّ نِكَاحٍ كَانَ صَحِيحًا وَكَانَتْ فِيهِ الْإِصَابَةُ أَحْصَنَتْ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ حُرَّةً وَأَحَلَّتْ الْمَرْأَةَ لِلزَّوْجِ الَّذِي طَلَّقَهَا ثَلاَثًا وَأَوْجَبَتْ الْمَهْرَ كُلَّهُ وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْإِصَابَةِ حَتَّى تَكُونَ هَذِهِ الْأَحْكَامُ أَنْ تَغِيبَ الْحَشَفَةُ فِي الْقُبُلِ نَفْسِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَيُّ نِكَاحٍ كَانَ فَاسِدًا لَمْ يُحْصِنْ الرَّجُلَ وَلاَ الْمَرْأَةَ وَلَمْ يُحَلِّلْهَا لِزَوْجِهَا فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَهَلْ فِيمَا ذَكَرْت مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْكِحُ يَنْوِي التَّحْلِيلَ مُرَاوَضَةً أَوْ غَيْرَ مُرَاوَضَةٍ فَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ عَلَى شَرْطٍ كَانَ النِّكَاحُ ثَابِتًا خَبْر عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ دُونِهِمْ‏؟‏ قِيلَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْمُتْعَةِ وَأَنَّ الْمُتْعَةَ هِيَ النِّكَاحُ إلَى أَجَلِ كِفَايَةٍ وَقَدْ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ طَلَّقَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ امْرَأَةً لَهُ فَبَتَّهَا فَمَرَّ بِشَيْخٍ وَابْنٍ لَهُ مِنْ الْأَعْرَابِ فِي السُّوقِ قَدِمَا بِتِجَارَةٍ لَهُمَا فَقَالَ لِلْفَتَى هَلْ فِيك مِنْ خَيْرٍ‏؟‏ ثُمَّ مَضَى عَنْهُ ثُمَّ كَرَّ عَلَيْهِ فَكَمِثْلِهَا ثُمَّ مَضَى عَنْهُ ثُمَّ كَرَّ عَلَيْهِ فَكَمِثْلِهَا‏.‏ قَالَ نَعَمْ‏:‏ قَالَ فَأَرِنِي يَدَك فَانْطَلَقَ بِهِ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ وَأَمَرَهُ بِنِكَاحِهَا فَنَكَحَهَا فَبَاتَ مَعَهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ اسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لَهُ فَإِذَا هُوَ قَدْ وَلَّاهَا الدُّبُرَ فَقَالَتْ‏:‏ وَاَللَّهِ لَئِنْ طَلَّقَنِي لاَ أَنْكِحُك أَبَدًا فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ فَدَعَاهُ فَقَالَ لَوْ نَكَحْتهَا لَفَعَلْت بِك كَذَا وَكَذَا وَتَوَعَّدَهُ وَدَعَا زَوْجَهَا فَقَالَ الْزَمْهَا‏.‏

أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عُمَرَ مِثْلَهُ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرْت عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ امْرَأَةً طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلاَثًا وَكَانَ مِسْكِينٌ أَعْرَابِيٌّ يَقْعُدُ بِباب الْمَسْجِدِ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ لَهُ هَلْ لَك فِي امْرَأَةٍ تَنْكِحُهَا فَتَبِيتُ مَعَهَا اللَّيْلَةَ فَتُصْبِحُ فَتُفَارِقُهَا‏؟‏ فَقَالَ نَعَمْ وَكَانَ ذَلِكَ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ إنَّك إذَا أَصْبَحْت فَإِنَّهُمْ سَيَقُولُونَ لَك فَارِقْهَا فَلاَ تَفْعَلْ فَإِنِّي مُقِيمَةٌ لَك مَا تَرَى وَاذْهَبْ إلَى عُمَرَ فَلَمَّا أَصْبَحَتْ أَتَوْهُ وَأَتَوْهَا فَقَالَتْ كَلِّمُوهُ فَأَنْتُمْ جِئْتُمْ بِهِ فَكَلَّمُوهُ فَأَبَى وَانْطَلَقَ إلَى عُمَرَ فَقَالَ‏:‏ الْزَمْ امْرَأَتَك فَإِنْ رَابُوك بِرَيْبٍ فائتني وَأَرْسِلْ إلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي مَشَتْ بِذَلِكَ فَنَكَّلَ بِهَا‏.‏ ثُمَّ كَانَ يَغْدُو إلَى عُمَرَ‏.‏ وَيَرُوحُ فِي حُلَّةٍ فَيَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَاك يَا ذَا الرُّقْعَتَيْنِ حُلَّةً تَغْدُو فِيهَا وَتَرُوحُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ سَمِعْت هَذَا الْحَدِيثَ مُسْنَدًا مُتَّصِلاً عَنْ ابْنِ سِيرِينَ يُوَصِّلُهُ عَنْ عُمَرَ بِمِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى‏.‏

باب الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ

وَإِذَا نَكَحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي نِكَاحِهَا يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً يَنْتَهِي إلَيْهَا إنْ شَاءَ أَجَازَ النِّكَاحَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ أَوْ قَالَ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ يَعْنِي مَنْ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ أَنَّهُ إنْ شَاءَ أَجَازَ النِّكَاحَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمَرْأَةِ دُونَهُ أَوْ لَهُمَا مَعًا أَوْ شَرَطَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا لِغَيْرِهِمَا فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ فِي هَذَا كُلِّهِ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَهُوَ مَفْسُوخٌ وَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا وَلاَ نِكَاحَ بَيْنَهُمَا وَيَخْطُبُهَا مَعَ الْخُطَّابِ وَهِيَ تَعْتَدُّ مِنْ مَائِهِ وَلَوْ تَرَكَهَا حَتَّى تَسْتَبْرِئَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنَّمَا أَبْطَلْته بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ فَلَمَّا كَانَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ مَفْسُوخًا لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْيِ عَنْهُ مَعْنًى أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَى إحْلاَلِ الْمَنْكُوحَةِ مُطْلَقًا لاَ إلَى غَايَةٍ وَذَلِكَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ إلَى غَايَةٍ فَقَدْ أَبَاحَتْ نَفْسَهَا بِحَالٍ وَمَنَعَتْهَا فِي أُخْرَى فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ إلَّا مُطْلَقًا مِنْ قِبَلِهَا كَانَ الشَّرْطُ أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً إلَى غَايَةٍ أَوْ قِبَلِهِ أَوْ قِبَلِهِمَا مَعًا، وَلَمَّا كَانَ النِّكَاحُ بِالْخِيَارِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ فِيمَا نَرَى فَسَدَتْ الْمُتْعَةُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ وَالْجِمَاعُ حَلاَلٌ فِيهِ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ الْأَبَدِ وَلاَ بِحَالٍ حَتَّى يُحْدِثَ لَهُ اخْتِيَارًا حَادِثًا فَتَكُونُ الْعُقْدَةُ انْعَقَدَتْ عَلَى النِّكَاحِ وَالْجِمَاعِ لاَ يَحِلُّ فِيهَا بِكُلِّ حَالٍ فَالنِّكَاحُ فِي الْعُقْدَةِ غَيْرُ ثَابِتٍ لَمْ يَثْبُتْ النِّكَاحُ بِشَيْءٍ حَدَثَ بَعْدَهَا لَيْسَ هُوَ هِيَ فَيَكُونُ مُتَقَدِّمُ النِّكَاحِ غَيْرَ ثَابِتٍ فِي حَالٍ وَثَابِتًا فِي أُخْرَى وَهَذَا أَقْبَحُ مِنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ وَقَعَ عَلَى ثَابِتٍ أَوَّلاً إلَى مُدَّةٍ وَغَيْرِ ثَابِتٍ إذَا انْقَطَعَتْ الْمُدَّةُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي جُمْلَةٍ أَنَّ النِّكَاحَ لاَ يَجُوزُ عَلَى الْخِيَارِ كَمَا تَجُوزُ الْبُيُوعُ، فَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ فِيهِ لاَ يَجُوزُ لَزِمَ مَنْ أَعْطَى هَذِهِ الْجُمْلَةَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ لاَ يُجِيزَ النِّكَاحَ إذَا كَانَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ‏.‏

مَا يَدْخُلُ فِي نِكَاحِ الْخِيَارِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ مَالِكَةً لِأَمْرِهَا فَزَوَّجَهَا وَلِيُّهَا رَجُلاً بِغَيْرِ عِلْمِهَا فَأَجَازَتْ النِّكَاحَ أَوْ رَدَّتْهُ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلاَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ بِحَالٍ أَبَدًا حَتَّى تَأْذَنَ فِي أَنْ تَنْكِحَ قَبْلَ أَنْ تُنْكَحَ، فَإِذَا أَذِنَتْ فِي ذَلِكَ فِي رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَزَوَّجَهَا وَلِيٌّ جَازَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكَذَلِكَ إذَا أَذِنَتْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا مَنْ رَأَى فَزَوَّجَهَا كُفْئًا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَهَكَذَا الزَّوْجُ يُزَوِّجُهُ الرَّجُلُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ أَجَازَهُ الرَّجُلُ أَوْ رَدَّهُ وَأَصْلُ مَعْرِفَةِ هَذَا أَنْ يُنْظَرَ إلَى كُلِّ عَقْدِ نِكَاحٍ كَانَ الْجِمَاعُ فِيهِ وَالنَّظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ مُجَرَّدَةً مُحَرَّمًا إلَى مُدَّةٍ تَأْتِي بَعْدَهُ فَالنِّكَاحُ فِيهِ مَفْسُوخٌ وَهُوَ فِي مَعْنَى مَا وَصَفْت قَبْلُ مِنْ نِكَاحِ الْخِيَارِ وَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَلاَ يَجُوزُ إنْكَاحُ الصَّبِيِّ وَلاَ الصَّبِيَّةِ وَلاَ الْبِكْرِ غَيْرِ الصَّبِيَّةِ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ رِضَاهَا أَوْ الْبِكْرِ الْبَالِغِ لِوَلِيٍّ غَيْرِ الْآبَاءِ خَاصَّةً بِمَا وَصَفْنَا قَبْلَهُ مِنْ دَلاَلَةِ السُّنَّةِ فِي إنْكَاحِ الْأَبِ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً حُرَّةً أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا بِرَجُلٍ فَزَوَّجَهَا رَجُلٌ غَيْرُ وَلِيِّهَا ذَلِكَ الرَّجُلَ وَأَجَازَ الْوَلِيُّ نِكَاحَهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهَا كَانَ لَهَا وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَرُدَّ نِكَاحَهُ لِعِلَّةِ أَنَّ الْمُزَوِّجَ غَيْرُ الْمَأْذُونِ لَهُ بِالتَّزَوُّجِ فَلَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ وَهَكَذَا الْمَرْأَةُ تَنْكِحُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَيُجِيزُ وَلِيُّهَا النِّكَاحَ أَوْ الْعَبْدُ يَنْكِحُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَيُجِيزُ سَيِّدُهُ النِّكَاحَ أَوْ الْأَمَةُ تَنْكِحُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا فَيُجِيزُ سَيِّدُهَا النِّكَاحَ فَهَذَا كُلُّهُ نِكَاحٌ مَفْسُوخٌ لاَ يَجُوزُ بِإِجَازَةِ مَنْ أَجَازَهُ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَهَكَذَا الْحُرُّ الْبَالِغُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ يَنْكِحُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وَوَلِيُّهُ وَلِيُّ مَالِهِ لاَ وِلاَيَةَ عَلَى الْبَالِغِ فِي النِّكَاحِ فِي النَّسَبِ إنَّمَا الْوَلِيُّ عَلَيْهِ وَلِيُّ مَالِهِ كَمَا يَقَعُ عَلَيْهِ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَلاَ يُشْبِهُ الْمَرْأَةَ الَّتِي وَلِيُّهَا وَلِيُّ نَسَبِهَا لِلْعَارِ عَلَيْهَا وَالرَّجُلُ لاَ عَارَ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ فَإِذَا أَذِنَ وَلِيُّهُ بَعْدَ النِّكَاحِ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَكُلُّ نِكَاحٍ مَفْسُوخٌ قَبْلَ الْجِمَاعِ فَهُوَ مَفْسُوخٌ بَعْدَ الْجِمَاعِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا زَوَّجَ الْوَلِيُّ رَجُلاً غَائِبًا بِخِطْبَةِ غَيْرِهِ وَقَالَ الْخَاطِبُ لَمْ يُرْسِلْنِي وَلَمْ يُوَكِّلْنِي فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ قَدْ أَرْسَلَنِي فُلاَنٌ فَزَوَّجَهُ الْوَلِيُّ أَوْ كَتَبَ الْخَاطِبُ كِتَابًا فَزَوَّجَهُ الْوَلِيُّ وَجَاءَهُ بِعِلْمِ التَّزْوِيجِ فَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يُقِرَّ بِالرِّسَالَةِ أَوْ الْكِتَابِ لَمْ تَرِثْهُ الْمَرْأَةُ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ فَقَالَ لَمْ أُرْسِلْ وَلَمْ أَكْتُبْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِرِسَالَةٍ بِخِطْبَتِهَا أَوْ كِتَابٍ بِخِطْبَتِهَا ثَبَتَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ وَهَكَذَا لَوْ مَاتَ وَلَمْ يُقِرَّ بِالنِّكَاحِ أَوْ جَحَدَهُ فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ثَبَتَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ وَكَانَ لَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ الَّذِي سَمَّى لَهَا وَلَهَا مِنْهُ الْمِيرَاثُ فَإِنْ قَالَ الرَّجُلُ قَدْ وَكَّلَنِي فُلاَنٌ أُزَوِّجُهُ فَزَوَّجْته فَأَنْكَرَ الْمُزَوَّجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَلاَ صَدَاقَ وَلاَ نِصْفَ عَلَى الْمُزَوِّج الْمُدَّعِي الْوَكَالَةَ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الصَّدَاقَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ نِصْفُهُ بِالضَّمَانِ فَإِنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَمْسَسْ وَلَيْسَ هَذَا كَالرَّجُلِ يَشْتَرِي لِلرَّجُلِ الشَّيْءَ فَيُنْكِرُ الْمُشْتَرَى لَهُ الْوَكَالَةَ فَيَكُونُ الشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ هَذَا لاَ يَكُونُ لَهُ النِّكَاحُ وَإِنْ وَلَّى عَقْدَهُ لِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ‏.‏

باب مَا يَكُونُ خِيَارًا قَبْلَ الصَّدَاقِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِصَدَاقٍ فَزَادَهَا عَلَيْهِ أَوْ أَصْدَقَ عَنْهُ غَيْرَ الَّذِي يَأْمُرُهُ أَوْ أَمَرَتْ الْمَرْأَةُ الْوَلِيَّ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِصَدَاقٍ فَنَقَصَ مِنْ صَدَاقِهَا أَوْ زَوَّجَهَا بِعَرْضٍ فَلاَ خِيَارَ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ لِلْمَرْأَةِ وَلاَ لِلرَّجُلِ وَلاَ يُرَدُّ النِّكَاحُ مِنْ قِبَلِ تَعَدِّي الْوَكِيلِ فِي الصَّدَاقِ وَلِلْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ كَانَ وَكِيلُ الرَّجُلِ ضَمِنَ لِلْمَرْأَةِ مَا زَادَهَا فَعَلَى الْوَكِيلِ الزِّيَادَةُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَإِنْ كَانَ ضَمِنَ الصَّدَاقَ كُلَّهُ أَخَذَتْ الْمَرْأَةُ الْوَكِيلَ بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ الَّذِي ضَمِنَ وَرَجَعَ عَلَى الزَّوْجِ بِصَدَاقِ مِثْلِهَا وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ عَنْهُ مِمَّا زَادَ عَلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ بِالزِّيَادَةِ عَلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا وَإِنْ كَانَ مَا سَمَّى مِثْلَ صَدَاقِ مِثْلِهَا رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ لَمْ يَضْمَنْ لَهَا شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْ الْوَكِيلُ شَيْئًا وَلَيْسَ هَذَا كَالْبُيُوعِ الَّتِي يَشْتَرِي الرَّجُلُ مِنْهَا الشَّيْءَ لِلرَّجُلِ فَيَزِيدُ فِي ثَمَنِهِ فَلاَ يَلْزَمُ الْآمِرُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ قَالَ الرَّبِيعُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُحْدِثَ شِرَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْعَقْدَ كَانَ صَحِيحًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ وَلِيَ صَفْقَةَ الْبَيْعِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ مَا اشْتَرَى بِذَلِكَ الْعَقْدِ وَإِنْ سَمَّاهُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ امْرَأَةً بِعَقْدٍ عَقَدَهُ لِغَيْرِهِ وَلاَ يَكُونُ لِلزَّوْجِ وَلاَ لِلْمَرْأَةِ خِيَارٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي النِّكَاحِ خِيَارٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَيَثْبُتُ النِّكَاحُ فَيَكُونُ لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ يُجْعَلُ لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا وَلَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إلَّا بِصَدَاقٍ مُسَمًّى هُوَ أَقَلُّ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا‏؟‏ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَرَأَيْت إذَا لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ أَنْ يَتَزَوَّجَ إلَّا بِلاَ مَهْرٍ فَلَمْ أَرُدَّ النِّكَاحَ وَلَمْ أَجْعَلْ فِيهِ خِيَارًا لِلزَّوْجَيْنِ وَلاَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأُثْبِتُ النِّكَاحَ وَأَخَذْت مِنْهُ مَهْرَ مِثْلِهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ عُقْدَةَ النِّكَاحِ لاَ تُفْسَخُ بِصَدَاقٍ وَأَنَّهُ كَالْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ الَّتِي فِيهَا قِيمَتُهَا فَأَعْطَاهَا الزَّوْجُ صَدَاقَهَا وَوَلِيَ عُقْدَةَ النِّكَاحِ غَيْرُهُ فَزَادَهَا عَلَيْهِ فَأَبْلَغْتهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا فَمَا أَخَذَتْ مِنْهُ مِنْ إبْلاَغِهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا وَإِنْ لَمْ يُبْلِغْهُ أَقَلَّ مِنْ أَخْذِي مِنْهُ مُبْتَدَأَ صَدَاقَ مِثْلِهَا فَهُوَ لَمْ يَبْذُلْهُ وَلَمْ يَنْكِحْ عَلَيْهِ وَهَكَذَا لَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلاً يُزَوِّجُهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا فَأَصْدَقَهَا أَكْثَرَ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا وَلَمْ يَضْمَنْهُ الْوَكِيلُ فَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا لاَ يُجْعَلُ عَلَى الزَّوْجِ مَا جَاوَزَهُ إذَا لَمْ يُسَمِّهِ وَلاَ تُنْقِصُ الْمَرْأَةُ مِنْهُ‏.‏

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ إيَّاهَا بِمِائَةٍ فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا بِخَمْسِينَ كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا وَكَانَتْ لَهَا الْخَمْسُونَ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِهَا وَلَوْ وَكَّلَ أَنْ يُزَوِّجَهُ إيَّاهَا بِمِائَةٍ فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا بِعَبْدٍ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ كَانَ لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الزَّوْجُ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِمَا زَوَّجَهُ بِهِ، وَهَكَذَا الْمَرْأَةُ لَوْ أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا فَتَعَدَّى فِي صَدَاقِهَا‏.‏

الْخِيَارُ مِنْ قِبَلِ النَّسَبِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا انْتَسَبَ لِامْرَأَةٍ حُرَّةٍ حُرًّا فَنَكَحَتْهُ وَقَدْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ عَلِمَتْ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ انْتَسَبَ لَهَا إلَى نَسَبٍ فَوَجَدَتْهُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ النَّسَبِ وَمِنْ نَسَبٍ دُونِهِ وَنَسَبُهَا فَوْقَ نَسَبِهِ كَانَ فِيهَا قَوْلاَنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ لِأَنَّهُ مَنْكُوحٌ بِعَيْنِهِ وَغَارٌّ بِشَيْءٍ وُجِدَ دُونَهُ، وَالثَّانِي أَنَّ النِّكَاحَ مَفْسُوخٌ كَمَا يَنْفَسِخُ لَوْ أَذِنَتْ فِي رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَزُوِّجَتْ غَيْرَهُ كَأَنَّهَا أَذِنَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفُلاَنِيِّ فَزُوِّجَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ مِنْ غَيْرِ بَنِي فُلاَنٍ فَكَانَ الَّذِي زُوِّجَتْهُ غَيْرَ مَنْ أَذِنَتْ بِتَزْوِيجِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ تَجْعَلُ لَهَا الْخِيَارَ فِي الرَّجُلِ يَغُرُّهَا بِنَسَبِهِ وَقَدْ نَكَحَتْهُ بِعَيْنِهِ وَلَمْ تَجْعَلْهُ لَهَا مِنْ جِهَةِ الصَّدَاقِ‏؟‏ قِيلَ الصَّدَاقُ مَالٌ مِنْ مَالِهَا هِيَ أَمْلَكُ بِهِ لاَ عَارَ عَلَيْهَا وَلاَ عَلَى مَنْ هِيَ فِيهِ مِنْهُ فِي نَقْصِهِ وَلاَ وِلاَيَةَ لِأَوْلِيَائِهَا فِي مَالِهَا وَهَذَا كَانَ لِأَوْلِيَائِهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ إذَا أَذِنَتْ فِيهِ أَنْ يَمْنَعُوهَا مِنْهُ بِنَقْصٍ فِي النَّسَبِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَى الِابْتِدَاءِ يَمْنَعُونَهَا كُفْئًا تَتْرُكُ لَهُ مِنْ صَدَاقِهَا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ لَمْ تَجْعَلْ نِكَاحَ الَّذِي غَرَّهَا مَفْسُوخًا بِكُلِّ حَالٍ‏؟‏ قِيلَ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لِأَوْلِيَائِهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ أَنْ يُزَوِّجُوهَا إيَّاهُ‏.‏

وَلَيْسَ مَعْنَى النِّكَاحِ إذَا أَرَادَ الْوُلاَةُ مَنْعَهُ بِأَنَّ النَّاكِحَ غَيْرُ كُفْءٍ بِأَنَّ النِّكَاحَ مُحَرَّمٌ وَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُزَوِّجُوهَا غَيْرَ كُفْءٍ إذَا رَضِيَتْ وَرَضُوا وَإِنَّمَا رَدَدْنَاهُ بِالنَّقْصِ عَلَى الْمُزَوَّجَةِ كَمَا يُجْعَلُ الْخِيَارُ فِي رَدِّ الْبَيْعِ بِالْعِنَبِ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ أَنْ يَتِمَّ إنْ شَاءَ الَّذِي جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ‏:‏ فَإِنْ قَالَ فَقَدْ جَعَلْت خِيَارًا فِي الْكَفَاءَةِ‏.‏ قِيلَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ لِلْأَوْلِيَاءِ فِي بُضْعِ الْمَرْأَةِ أَمْرًا وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا مَرْدُودًا فَكَانَتْ دَلاَلَةُ أَنْ لاَ يَتِمَّ نِكَاحُهَا إلَّا بِوَلِيٍّ وَكَانَتْ إذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ مُفَوِّتَةً فِي شَيْءٍ لَهَا فِيهِ شَرِيكٌ وَمِنْ يُفَوِّتُ فِي شَيْءٍ لَهُ فِيهِ شَرِيكٌ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى شَرِكَتِهِ فَإِذَا كَانَ الشَّرِيكُ فِي بُضْعٍ لَمْ يَتِمَّ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الشَّرِيكَيْنِ لِأَنَّهُ لاَ يَتَبَعَّضُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْوُلاَةِ مَعَهَا مَعْنًى إلَّا بِمَا وَصَفْنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا أَنْ تَنْكِحَ مَنْ يَنْقُصُ نَسَبُهُ عَنْ نَسَبِهَا وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لِلْوُلاَةِ أَمْرًا فِي مَالِهَا، وَلَوْ أَنَّ الْمَرْأَةَ غَرَّتْ الرَّجُلَ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ فَإِذَا هِيَ أَمَةٌ وَأَذِنَ لَهَا سَيِّدُهَا كَانَ لَهُ فَسْخُ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ، وَلَوْ غَرَّتْهُ بِنَسَبٍ فَوَجَدَهَا دُونَهُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا فِي الْغُرُورِ بِالنَّسَبِ مَا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ رَدِّ النِّكَاحِ وَإِذَا رَدَّ النِّكَاحَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا فَلاَ مَهْرَ وَلاَ مُتْعَةَ وَإِذَا رَدَّهُ بَعْدَ الْإِصَابَةِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لاَ مَا سَمَّى لَهَا وَلاَ نَفَقَةَ فِي الْعِدَّةِ حَامِلاً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ وَلاَ مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا إذَا فَسَخَ، وَالثَّانِي‏:‏ لاَ خِيَارَ لَهُ إذَا كَانَتْ حُرَّةً لِأَنَّ بِيَدِهِ الطَّلاَقَ وَلاَ يَلْزَمُهُ مِنْ الْعَارِ مَا يَلْزَمُهَا وَلَهُ الْخِيَارُ بِكُلِّ حَالٍ إنْ كَانَتْ أَمَةً‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً غَرَّ بِهَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ كَانَ يَخَافُ الْعَنَتَ وَكَانَ لاَ يَجِدُ طَوْلاً لِحُرَّةٍ وَإِنْ كَانَ يَجِدُ طَوْلاً لِحُرَّةٍ أَوْ كَانَ لاَ يَخَافُ الْعَنَتَ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ غَرَّهَا بِنَسَبٍ فَوُجِدَ دُونَهُ وَهُوَ بِالنَّسَبِ الدُّونِ كُفْءٌ لَهَا فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا لَيْسَ لَهَا وَلاَ لِوَلِيِّهَا خِيَارٌ مِنْ قِبَلِ الْكَفَاءَةِ لَهَا وَإِنَّمَا جُعِلَ لَهَا الْخِيَارُ وَلِوَلِيِّهَا مِنْ قِبَلِ التَّقْصِيرِ عَنْ الْكَفَاءَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَقْصِيرٌ فَلاَ خِيَارَ وَهَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ وَبِهِ أَقُولُ، وَالْآخَرُ أَنَّ النِّكَاحَ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهَا مِثْلُ الْمَرْأَةِ تَأْذَنُ فِي الرَّجُلِ فَتُزَوَّجُ غَيْرَهُ‏.‏ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ الْآخَرَ قَالَهُ فِي الْمَرْأَةِ تَغُرُّ بِنَسَبٍ فَتُوجَدُ عَلَى غَيْرِهِ قَالَ وَلَوْ غَرَّتْ بِنَسَبٍ أَوْ غَرَّ بِهِ فَوُجِدَ خَيْرًا مِنْهُ‏.‏ وَإِنَّمَا مَنَعَنِي مِنْ هَذَا أَنَّ الْغُرُورَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ بِبَدَنِهِ وَلاَ فِيهَا بِبَدَنِهَا وَهُمَا الْمُزَوِّجَانِ وَإِنَّمَا كَانَ الْغُرُورُ فِيمَنْ فَوْقَهُ فَلَمْ تَكُنْ أَذِنَتْ فِي غَيْرِهِ وَلاَ أَذِنَ فِي غَيْرِهَا وَلَكِنَّهُ كَانَ ثَمَّ غُرُورُ نَسَبٍ فِيهِ حَقٌّ لِلْعُقْدَةِ وَكَانَ غَيْرَ فَاسِدٍ أَنْ يَجُوزَ عَلَى الِابْتِدَاءِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَهَلْ تَجِدُ دَلاَلَةَ غَيْرِ مَا ذَكَرْت مِنْ الِاسْتِدْلاَلِ مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْأَوْلِيَاءِ إنَّمَا هُوَ لِمَعْنَى النَّسَبِ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَوْ مَا يُشْبِهُ فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ حَتَّى يَجُوزَ أَنْ تَجْعَلَ فِي النِّكَاحِ خِيَارًا وَالْخِيَارُ إنَّمَا يَكُونُ إلَى الْمُخَيَّرِ إثْبَاتُهُ وَفَسْخُهُ‏؟‏ قِيلَ نَعَمْ عَتَقَتْ بَرِيرَةُ فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَارَقَتْ زَوْجَهَا وَقَدْ كَانَ لَهَا الثُّبُوتُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لاَ يُخَيِّرُهَا إلَّا وَلَهَا أَنْ تَثْبُتَ إنْ شَاءَتْ وَتُفَارِقَ إنْ شَاءَتْ‏.‏

وَقَدْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى بَرِيرَةَ صَحِيحًا وَكَانَ الْجِمَاعُ فِيهِ حَلاَلاً وَكَانَ لَهَا فَسْخُ الْعَقْدِ فَلَمْ يَكُنْ لِفَسْخِهَا مَعْنًى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهَا صَارَتْ حُرَّةً فَصَارَ الْعَبْدُ لَهَا غَيْرَ كُفْءٍ وَاَلَّتِي كَانَتْ كَفِيئَةً فِي حَالٍ ثُمَّ انْتَقَلَتْ إلَى أَنْ تَكُونَ غَيْرَ كُفْءٍ لِلْعَبْدِ لِتَقْصِيرِهِ عَنْهَا أَدْنَى حَالاً مِنْ الَّتِي لَمْ تَكُنْ قَطُّ كَفِيئَةً لِمَنْ غَرَّهَا فَنَكَحَتْهُ عَلَى الْكَفَاءَةِ فَوُجِدَ عَلَى غَيْرِهَا‏.‏

فِي الْعَيْبِ بِالْمَنْكُوحَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا جَمِيلَةٌ شَابَّةٌ مُوسِرَةٌ تَامَّةٌ بِكْرٌ فَوَجَدَهَا عَجُوزًا قَبِيحَةً مُعْدَمَةً قَطْعَاءَ ثَيِّبًا أَوْ عَمْيَاءَ أَوْ بِهَا ضُرٌّ مَا كَانَ الضُّرُّ غَيْرَ الْأَرْبَعِ الَّتِي سَمَّيْنَا فِيهَا الْخِيَارَ فَلاَ خِيَارَ لَهُ‏.‏ وَقَدْ ظَلَمَ مَنْ شَرَطَ هَذَا نَفْسَهُ‏.‏ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ إذَا كَانَتَا مُتَزَوِّجَتَيْنِ، وَلَيْسَ النِّكَاحُ كَالْبَيْعِ فَلاَ خِيَارَ فِي النِّكَاحِ مِنْ عَيْبٍ يَخُصُّ الْمَرْأَةَ فِي بَدَنِهَا وَلاَ خِيَارَ فِي النِّكَاحِ عِنْدَنَا إلَّا مِنْ أَرْبَعٍ أَنْ يَكُونَ حَلْقُ فَرْجِهَا عَظْمًا لاَ يُوَصِّلُ إلَى جِمَاعِهَا بِحَالٍ وَهَذَا مَانِعٌ لِلْجِمَاعِ الَّذِي لَهُ عَامَّةُ مَا نَكَحَهَا‏.‏ فَإِنْ كَانَتْ رَتْقَاءَ فَكَانَ يَقْدِرُ عَلَى جِمَاعِهَا بِحَالٍ فَلاَ خِيَارَ لَهُ لَوْ عَالَجَتْ نَفْسَهَا حَتَّى تَصِيرَ إلَى أَنْ يُوَصِّلَ إلَيْهَا فَلاَ خِيَارَ لِلزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ تُعَالِجْ نَفْسَهَا فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْجِمَاعِ بِحَالٍ‏.‏

وَإِنْ سَأَلَ أَنْ يَشُقَّهَا هُوَ بِحَدِيدَةٍ أَوْ مَا شَابَهَهَا وَيُجْبِرُهَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ أَجْعَلْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ وَجَعَلْت لَهُ الْخِيَارَ وَإِنْ فَعَلَتْهُ هِيَ فَوَصَلَ إلَى جِمَاعِهَا قَبْلَ أَنْ أُخَيِّرَهُ لَمْ أَجْعَلْ لَهُ خِيَارًا، وَلاَ يَلْزَمُهَا الْخِيَارُ إلَّا عِنْدَ حَاكِمٍ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا هُمَا بِشَيْءٍ يَجُوزُ فَأُجِيزُ تَرَاضِيَهُمَا، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا فَوَجَدَهَا مُفْضَاةً لَمْ أَجْعَلْ لَهُ خِيَارًا لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بِهَا قَرْنٌ يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الْجِمَاعِ لَمْ أَجْعَلْ لَهُ خِيَارًا وَلَكِنْ لَوْ كَانَ الْقَرْنُ مَانِعًا لِلْجِمَاعِ كَانَ كَالرَّتْقِ أَوْ تَكُونُ جَذْمَاءَ أَوْ بَرْصَاءَ أَوْ مَجْنُونَةً وَلاَ خِيَارَ فِي الْجُذَامِ حَتَّى يَكُونَ بَيِّنًا فَأَمَّا الزَّعَرُ فِي الْحَاجِبِ، أَوْ عَلاَمَاتٌ تُرَى أَنَّهَا تَكُونُ جَذْمَاءَ وَلاَ تَكُونُ فَلاَ خِيَارَ فِيهِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قَدْ لاَ يَكُونُ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَرَصِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ وَسَوَاءٌ قَلِيلُ الْبَرَصِ وَكَثِيرُهُ فَإِنْ كَانَ بَيَاضًا فَقَالَتْ لَيْسَ هَذَا بَرَصًا وَقَالَ هُوَ بَرَصٌ أُرِيهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ قَالُوا هُوَ بَرَصٌ فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ قَالُوا هُوَ مِرَارٌ لاَ بَرَصَ فَلاَ خِيَارَ لَهُ فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْجُنُونُ ضَرْبَانِ خَنْقٌ وَلَهُ الْخِيَارُ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَضَرْبٌ غَلَبَةٌ عَلَى عَقْلِهِ مِنْ غَيْرِ حَادِثِ مَرَضٍ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْحَالَيْنِ مَعًا وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ الَّذِي يُخْنَقُ وَيُفِيقُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأَمَّا الْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ بِالْمَرَضِ فَلاَ خِيَارَ لَهَا فِيهِ مَا كَانَ مَرِيضًا فَإِذَا أَفَاقَ مِنْ الْمَرَضِ وَثَبَتَتْ الْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ فَلَهَا الْخِيَارُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا الْحُجَّةُ فِي أَنْ جَعَلْت لِلزَّوْجِ الْخِيَارَ فِي أَرْبَعٍ دُونَ سَائِرِ الْعُيُوبِ‏؟‏ فَالْحُجَّةُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ فِي الرَّتْقَاءِ مَا قُلْت، وَإِنَّهُ إذَا يُوَصِّلُ إلَى الْجِمَاعِ بِحَالٍ فَالْمَرْأَةُ فِي غَيْرِ مَعَانِي النِّسَاءِ فَإِنْ قَالَ فَقَدْ قَالَ أَبُو الشَّعْثَاءِ لاَ تُرَدُّ مِنْ قَرْنٍ فَقَدْ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ أَرْبَعٌ لاَ يَجُزْنَ فِي بَيْعٍ وَلاَ نِكَاحٍ إلَّا أَنْ يُسَمَّى فَإِنْ سُمِّيَ جَازَ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَالْقَرْنُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَنَقُولُ بِهَذَا‏؟‏ قِيلَ إنْ كَانَ الْقَرْنُ مَانِعًا لِلْجِمَاعِ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا وَصَفْت كَانَ كَالرَّتْقِ وَبِهِ أَقُولُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَانِعٍ لِلْجِمَاعِ فَإِنَّمَا هُوَ عَيْبٌ يُنْقِصُهَا فَلاَ أَجْعَلُ لَهُ خِيَارًا‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَمَسَّهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ عَلَى وَلِيِّهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِذَا عَلِمَ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ اخْتَارَ فِرَاقَهَا فَلاَ مَهْرَ لَهَا وَلاَ نِصْفَ وَلاَ مُتْعَةَ وَإِنْ اخْتَارَ حَبْسَهَا بَعْدَ عِلْمِهِ أَوْ نَكَحَهَا وَهُوَ يَعْلَمُهُ فَلاَ خِيَارَ لَهُ وَإِنْ اخْتَارَ الْحَبْسَ بَعْدَ الْمَسِيسِ فَصَدَّقَتْهُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ خَيَّرَتْهُ فَإِنْ اخْتَارَ فِرَاقَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا بِالْمَسِيسِ وَلاَ نَفَقَةَ عَلَيْهِ فِي عِدَّتِهَا وَلاَ سُكْنَى إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَلاَ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَيْهَا وَلاَ عَلَى وَلِيِّهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ قِيلَ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَى وَلِيِّهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إنَّمَا تَرَكْت أَنْ أَرُدَّهُ بِالْمَهْرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ وَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» فَإِذَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّدَاقَ لِلْمَرْأَةِ بِالْمَسِيسِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِكُلِّ حَالٍ وَلَمْ يَرُدَّهُ بِهِ عَلَيْهَا وَهِيَ الَّتِي غَرَّتْهُ لاَ غَيْرُهَا لِأَنَّ غَيْرَهَا لَوْ زَوَّجَهُ إيَّاهَا لَمْ يَتِمَّ النِّكَاحُ إلَّا بِهَا إلَّا فِي الْبِكْرِ لِلْأَبِ فَإِذَا كَانَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ الَّذِي عُقِدَ لَهَا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَيْهَا وَقَدْ جَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا كَانَ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ الَّذِي لِلزَّوْجِ فِيهِ الْخِيَارُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ فَإِذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْآخِذَةُ لَهُ وَيُغَرِّمُهُ وَلِيُّهَا لِأَنَّ أَكْثَرَ أَمْرِهِ أَنْ يَكُونَ غَرَّ بِهَا وَهِيَ غَرَّتْ بِنَفْسِهَا فَهِيَ كَانَتْ أَحَقُّ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهَا وَلَوْ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهَا لَمْ تُعْطِهِ أَوَّلاً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الَّتِي نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا إنْ أُصِيبَتْ فَلَهَا الْمَهْرُ فَإِذَا جُعِلَ لَهَا الْمَهْرُ فَهُوَ لَوْ رَدَّهُ بِهِ عَلَيْهَا لَمْ يَقْضِ لَهَا بِهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَى وَلِيِّهَا بِمَهْرِهِ إنَّمَا فَسَدَ النِّكَاحُ مِنْ قِبَلِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ أَفْسَدَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِدَّةٍ قَالَ وَمَا جَعَلْت لَهُ فِيهِ الْخِيَارَ إذَا عُقِدَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَهُوَ بِهَا جَعَلْت لَهُ الْخِيَارَ إذَا حَدَثَ بِهَا عُقْدَةُ النِّكَاحِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى قَائِمٌ فِيهَا وَإِنِّي لَمْ أَجْعَلْ لَهُ الْخِيَارَ بِأَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ وَلَكِنِّي جَعَلْت لَهُ بِحَقِّهِ فِيهِ وَحَقِّ الْوَلَدِ‏.‏

قَالَ وَمَا جَعَلْت لَهُ فِيهِ الْخِيَارَ إذَا كَانَ بِهَا جَعَلْت لَهَا فِيهِ الْخِيَارَ إذَا كَانَ بِهِ أَوْ حَدَثَ بِهِ فَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ قَبْلَ الْمَسِيسِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمَسَّهَا وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَهْرِ شَيْءٌ وَلاَ مُتْعَةٌ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ حَتَّى أَصَابَهَا فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ فَلَهَا الْمَهْرُ وَلَهَا فِرَاقُهُ وَاَلَّذِي يَكُونُ بِهِ مِثْلُ الرَّتْقِ أَنْ يَكُونَ مَجْبُوبًا فَأُخَيِّرُهَا مَكَانَهَا فَإِنْ كَانَتْ بِخَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّا لَهَا فِيهِ الْخِيَارُ فَلَمْ تَخْتَرْ فِرَاقَهُ وَثَبَتَتْ مَعَهُ عَلَيْهَا فَحَدَثَ بِهِ أُخْرَى فَلَهَا مِنْهُ الْخِيَارُ وَكَذَلِكَ إنْ عَلِمَتْ بِاثْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثٍ فَاخْتَارَتْ الْمَقَامَ مَعَهُ جَعَلْت لَهَا فِيمَا سِوَاهَا الْخِيَارَ وَهَكَذَا هُوَ فِيمَا كَانَ بِهَا وَإِنْ عَلِمَتْ بِهِ فَتَرَكَتْهُ وَهِيَ تَعْلَمُ الْخِيَارَ لَهَا فَذَلِكَ كَالرِّضَا بِالْمُقَامِ مَعَهُ وَلاَ خِيَارَ لَهَا وَإِنْ عَلِمَ شَيْئًا بِهَا فَأَصَابَهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ الَّذِي سَمَّى لَهَا وَلاَ خِيَارَ لَهُ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ فِيهِ مِنْ عِلَّةٍ جَعَلْت لَهَا الْخِيَارَ غَيْرَ الْأَثَرِ‏؟‏ قِيلَ نَعَمْ الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالطِّبِّ وَالتَّجَارِبِ تَعَدَّى الزَّوْجُ كَثِيرًا وَهُوَ دَاءٌ مَانِعٌ لِلْجِمَاعِ لاَ تَكَادُ نَفْسُ أَحَدٍ أَنْ تَطِيبَ بِأَنْ يُجَامِعَ مَنْ هُوَ بِهِ وَلاَ نَفْسُ امْرَأَةٍ أَنْ يُجَامِعَهَا مَنْ هُوَ بِهِ فَأَمَّا الْوَلَدُ فَبَيِّنٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا وَلَدَهُ أَجْذَمَ أَوْ أَبْرَصَ أَوْ جَذْمَاءَ أَوْ بَرْصَاءَ قَلَّمَا يَسْلَمُ وَإِنْ سَلِمَ أَدْرَكَ نَسْلَهُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَأَمَّا الْجُنُونُ وَالْخَبَلُ فَتُطْرَحُ الْحُدُودُ عَنْ الْمَجْنُونِ وَالْمَخْبُولِ مِنْهُمَا وَلاَ يَكُونُ مِنْهُ تَأْدِيَةُ حَقٍّ لِزَوْجٍ وَلاَ زَوْجَةٍ بِعَقْلٍ وَلاَ امْتِنَاعٌ مِنْ مُحَرَّمٍ بِعَقْلٍ وَلاَ طَاعَةٌ لِزَوْجٍ بِعَقْلٍ وَقَدْ يُقْتَلُ أَيُّهُمَا كَانَ بِهِ زَوْجُهُ وَوَلَدُهُ وَيَتَعَطَّلُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ فِي كَثِيرِ مَا يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يُطَلِّقَهَا فَلاَ يَلْزَمُهُ الطَّلاَقُ وَيُرَدُّ خُلْعُهُ فَلاَ يَجُوزُ خُلْعُهُ وَهِيَ لَوْ دَعَتْ إلَى مَجْنُونٍ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَ لِلْوُلاَةِ مَنْعُهَا مِنْهُ كَمَا يَكُونُ لَهُمْ مَنْعُهَا مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ وَإِذَا جُعِلَ لَهَا الْخِيَارُ بِأَنْ يَكُونَ مَجْبُوبًا أَوْ لَهُ بِأَنْ تَكُونَ رَتْقَاءَ كَانَ الْخَبَلُ وَالْجُنُونُ أَوْلَى بِجِمَاعِ مَا وَصَفْت أَنْ يَكُونَ لَهَا وَلَهُ الْخِيَارُ وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهَا فِيهِ الْخِيَارُ مِنْ أَنْ لاَ يَأْتِيَهَا فَيُؤَجَّلُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِهَا خُيِّرَتْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ قَالَ فَهَلْ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقَعُ فِيهِ الْخِيَارُ أَوْ الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلاَقٍ وَلاَ اخْتِلاَفِ دِينَيْنِ‏؟‏ قِيلَ نَعَمْ جَعَلَ اللَّهُ لِلْمُولِي تَرَبُّصَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْجَبَ عَلَيْهِ بِمُضِيِّهَا أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ وَذَلِكَ أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ الْجِمَاعِ بِيَمِينٍ لَوْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ مَأْتَمٍ كَانَتْ طَاعَةُ اللَّهِ أَنْ لاَ يَحْنَثَ فَلَمَّا كَانَتْ عَلَى مَعْصِيَةٍ أُرَخِّصُ لَهُ فِي الْحِنْثِ وَفَرْضُ الْكَفَّارَةِ فِي الْإِيمَانِ فِي غَيْرِ ذِكْرِ الْمُولِي فَكَانَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ فَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ أَوْجَبْت عَلَيْهِ الطَّلاَقَ وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ الضَّرَرَ بِمُعَاشَرَةِ الْأَجْذَمِ وَالْأَبْرَصِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَخْبُولِ أَكْثَرُ مِنْهُ بِمُعَاشَرَةِ الْمُولِي مَا لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَفْتَرِقَانِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى فَكُلُّ مَوْضِعٍ مِنْ النِّكَاحِ لَمْ أَفْسَخْهُ بِحَالٍ فَعَقْدُهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْخِيَارَ فِيهِ بِالْعِلَّةِ الَّتِي فِيهِ فَالْجِمَاعُ فِيهِ مُبَاحٌ وَأَيُّ الزَّوْجَيْنِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فَمَاتَ أَوْ مَاتَ الْآخَرُ قَبْلَ الْخِيَارِ تَوَارَثَا وَيَقَعُ الطَّلاَقُ مَا لَمْ يَخْتَرْ لَهُ، الْخِيَارُ فَسْخُ الْعُقْدَةِ فَإِذَا اخْتَارَهَا لَمْ يَقَعْ طَلاَقٌ وَلاَ إيلاَءٌ وَلاَ ظِهَارٌ وَلاَ لِعَانٌ وَلاَ مِيرَاثٌ‏.‏

الْأَمَةُ تَغُرُّ بِنَفْسِهَا

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِأَمَتِهِ فِي نِكَاحِ رَجُلٍ وَوَكَّلَ رَجُلاً بِتَزْوِيجِهَا فَخَطَبَهَا الرَّجُلُ إلَى نَفْسِهَا فَذَكَرَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ الَّذِي زَوَّجَهَا أَوْ ذَكَرَ الَّذِي زَوَّجَهَا وَلَمْ تَذْكُرْهُ أَوْ ذَكَرَاهُ مَعًا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَعَلِمَ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ أَنَّهَا أَمَةٌ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْمُقَامِ مَعَهَا أَوْ فِرَاقِهَا إنْ كَانَ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا بِأَنْ لاَ يَجِدَ طَوْلاً لِحُرَّةٍ وَيَخَافَ الْعَنَتَ فَإِنْ اخْتَارَ فِرَاقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلاَ نِصْفَ مَهْرٍ وَلاَ مُتْعَةَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا كَانَ أَقَلَّ مِمَّا سَمَّى لَهَا أَوْ أَكْثَرَ إنْ اخْتَارَ فِرَاقَهَا وَالْفِرَاقُ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلاَقٍ أَلاَ تَرَى أَنْ لَوْ جَعَلَهُ تَطْلِيقَةً لَزِمَهُ أَنْ يَكُونَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ الَّذِي فَرَضَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَّلَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ لِلْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفَ الْمَهْرِ وَلاَ يَرْجِعُ بِمَهْرِهَا عَلَيْهَا وَلاَ عَلَى الَّذِي غَرَّهُ مِنْ نِكَاحِهَا بِحَالٍ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ تُوجِبُ الْمَهْرَ إذَا دُرِئَ فِيهَا الْحَدُّ وَهَذِهِ إصَابَةُ الْحَدِّ فِيهَا سَاقِطٌ وَإِصَابَةُ نِكَاحٍ لاَ زِنًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ أَحَبَّ الْمُقَامَ مَعَهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ اخْتَارَ فِرَاقَهَا وَقَدْ وَلَدَتْ أَوْلاَدًا فَهُمْ أَحْرَارٌ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمْ يَوْمَ يَسْقُطُونَ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ وَذَلِكَ أَوَّلُ مَا كَانَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ أَنْفُسِهِمْ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ مَا أَخَذَ مِنْهُ مِنْ قِيمَةِ أَوْلاَدِهِ عَلَى الَّذِي غَرَّهُ إنْ كَانَ غَرَّهُ الَّذِي زَوَّجَهُ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ غَرَّتْهُ هِيَ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهَا إذَا عَتَقَتْ وَلاَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً وَهَكَذَا إذَا كَانَتْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُعْتَقَةً إلَى أَجَلٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا فِي حَالِ رِقِّهَا وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا إذَا عَتَقَتْ إذَا كَانَتْ هِيَ الَّتِي غَرَّتْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً فَمِثْلُ هَذَا فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ إلَّا أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ بِقِيمَةِ أَوْلاَدِهَا لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَالدَّيْنَ فِي الْكِتَابَةِ يَلْزَمُهَا فَإِنْ أَدَّتْهُ فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّهِ وَعَجَزَتْ فَرُدَّتْ رَقِيقًا لَمْ يَلْزَمْهَا فِي حَالِ رِقِّهَا حَتَّى تَعْتِقَ فَيَلْزَمَهَا إذَا عَتَقَتْ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجِدُ طَوْلاً لِحُرَّةٍ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ بِكُلِّ حَالٍ لاَ خِيَارَ فِيهِ فِي إثْبَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا فَلاَ مَهْرَ وَلاَ نِصْفَ مَهْرٍ وَلاَ مُتْعَةَ وَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ ضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا فَلِأَبِيهِ فِيهِ مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ جَنِينًا مَيِّتًا‏.‏

كِتَابُ النَّفَقَاتِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ هَذَا جُمْلَةُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْفَرَائِضِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَقَدْ كَتَبْنَا مَا حَضَرَنَا مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَلِلزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ مِمَّا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَفَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُؤَدِّيَ كُلٌّ مَا عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَجِمَاعُ الْمَعْرُوفِ إعْفَاءُ صَاحِبِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْنَةِ فِي طَلَبِهِ وَأَدَاؤُهُ إلَيْهِ بِطِيبِ النَّفْسِ لاَ بِضَرُورَتِهِ إلَى طَلَبِهِ وَلاَ تَأْدِيَتُهُ بِإِظْهَارِ الْكَرَاهِيَةِ لِتَأْدِيَتِهِ وَأَيَّهُمَا تَرَكَ فَظُلْمٌ لِأَنَّ مَطْلَ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَمَطْلُهُ تَأْخِيرُهُ الْحَقَّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فِي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ‏}‏ وَاَللَّهُ أَعْلَم‏:‏ أَيْ فَمَا لَهُنَّ مِثْلُ مَا عَلَيْهِنَّ مِنْ أَنْ يُؤَدَّى إلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏

وُجُوبُ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تَعْدِلُوا‏}‏ قَرَأَ إلَى‏:‏ ‏{‏أَنْ لاَ تَعُولُوا‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ‏}‏ قَرَأَ إلَى‏:‏ ‏{‏بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}‏‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ هِنْدًا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏:‏ إنْ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ لِي إلَّا مَا يَدْخُلُ بَيْتِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ»‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ «أَنَّ هِنْدًا أُمَّ مُعَاوِيَةَ جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏:‏ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَإِنَّهُ لاَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إلَّا مَا أَخَذْت مِنْهُ سِرًّا وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ‏؟‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ»‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ أَنْتَ أَعْلَمُ» قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ إذَا حَدَّثَ بِهَذَا يَقُولُ وَلَدُك أَنْفِقْ عَلَيَّ إلَى مَنْ تَكِلُنِي‏؟‏ وَتَقُولُ زَوْجَتُك أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ طَلِّقْنِي وَيَقُولُ خَادِمُك أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ بِعْنِي‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}‏ ثُمَّ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» بَيَانٌ أَنَّ عَلَى الْأَبِ أَنْ يَقُومَ بِالْمُؤْنَةِ الَّتِي فِي صَلاَحِ صِغَارِ وَلَدِهِ مِنْ رَضَاعٍ وَنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَخِدْمَةٍ قَالَ وَفِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي النِّسَاءِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لاَ تَعُولُوا‏}‏ بَيَانٌ أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ مَا لاَ غِنَى بِامْرَأَتِهِ عَنْهُ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى قَالَ وَخِدْمَةٍ فِي الْحَالِ الَّتِي لاَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَنْحَرِفَ لِمَا لاَ صَلاَحَ لِبَدَنِهَا إلَّا بِهِ مِنْ الزَّمَانَةِ وَالْمَرَضِ فَكُلُّ هَذَا لاَزِمٌ لِلزَّوْجِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ لِخَادِمِهَا نَفَقَةٌ إذَا كَانَتْ مِمَّنْ يَعْرِفُ أَنَّهَا لاَ تَخْدُمُ نَفْسَهَا وَهُوَ مَذْهَبُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَيُفْرَضُ عَلَى الرَّجُلِ نَفَقَةُ خَادِمٍ وَاحِدٍ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي الْأَغْلَبُ أَنَّ مِثْلَهَا لاَ تَخْدُمُ نَفْسَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ أَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ فَلاَ أَعْلَمُهُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا خَادِمًا وَلَكِنْ يُجْبَرُ عَلَى مَنْ يَصْنَعُ لَهَا مِنْ طَعَامِهَا مَا لاَ تَصْنَعُهُ هِيَ وَيَدْخُلُ عَلَيْهَا مَا لاَ تَخْرُجُ لِإِدْخَالِهِ مِنْ الْمَاءِ وَمِنْ مَصْلَحَتِهَا لاَ يُجَاوِزُ بِهِ ذَلِكَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيُنْفِقُ عَلَى وَلَدِهِ حَتَّى يَبْلُغُوا الْمَحِيضَ وَالْحُلُمَ ثُمَّ لاَ نَفَقَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ إلَّا أَنْ يَكُونُوا زَمْنَى فَيُنْفِقَ عَلَيْهِمْ قِيَاسًا عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا لاَ يُغْنُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي الصِّغَرِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَإِنَّمَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ أَمْوَالٌ فَإِذَا كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ فَنَفَقَتُهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ قَالَ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلُوا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَبٌ دُونَهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ قَالَ وَإِذَا زَمِنَ الْأَبُ وَالْأُمُّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَالٌ يُنْفِقَانِ مِنْهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا الْوَلَدُ لِأَنَّهُمَا قَدْ جَمَعَا الْحَاجَةَ وَالزَّمَانَةَ الَّتِي لاَ يَنْحَرِفَانِ مَعَهَا وَاَلَّتِي فِي مِثْلِ حَالِ الصِّغَرِ أَوْ أَكْثَرَ وَمِنْ نَفَقَتِهِمْ الْخِدْمَةُ كَمَا وَصَفْت وَالْأَجْدَادُ وَإِنْ بَعُدُوا آبَاءٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَبٌ دُونَهُ يَقْدِرُ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ وَلَدُ الْوَلَدِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيُنْفِقُ إذَا كَانُوا كَمَا وَصَفْت عَلَى وَلَدِهِ بِأَنَّهُمْ مِنْهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَلَدُهُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى لاَ بِالِاسْتِمْتَاعِ مِنْهُمْ بِمَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ قَالَ وَيُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ غَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ فَقِيرَةً بِحَبْسِهَا عَلَى نَفْسِهِ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمَنْعِهَا مِنْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ وَلاَ شَكَّ إذَا كَانَتْ امْرَأَةُ الرَّجُلِ قَدْ بَلَغَتْ مِنْ السِّنِّ مَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَامْتَنَعَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَلَمْ تَمْتَنِعْ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ وَلاَ مِنْهُ بَعْدَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا مَا كَانَتْ زَوْجَةً لَهُ مَرِيضَةً وَصَحِيحَةً وَغَائِبًا عَنْهَا وَحَاضِرًا لَهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا وَكَانَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ لاَ يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ تَصِيرَ حَلاَلاً لَهُ يَسْتَمْتِعُ بِهَا إلَّا نَفْسُهُ إذَا أَشْهَدَ شَاهِدِينَ أَنَّهُ رَاجَعَهَا فَهِيَ زَوْجَتُهُ وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ رَجْعَتِهَا وَلاَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْهُ وَلاَ تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ‏.‏

قَالَ وَإِذَا نَكَحَ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لاَ يُجَامَعُ مِثْلُهَا وَهُوَ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ فَقَدْ قِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لِأَنَّهُ لاَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا وَأَكْثَرُ مَا يُنْكَحُ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَهَذَا قَوْلُ عَدَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ زَمَانِنَا لاَ نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّ الْحَبْسَ مِنْ قِبَلِهَا وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ يُنْفِقُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ مَذْهَبًا قَالَ وَإِذَا كَانَتْ هِيَ الْبَالِغَةَ، وَهُوَ الصَّغِيرُ فَقَدْ قِيلَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ لِأَنَّ الْحَبْسَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ وَمِثْلُهَا يُسْتَمْتَعُ بِهِ وَقِيلَ إذَا عَلِمَتْهُ صَغِيرًا وَنَكَحَتْهُ فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّ مَعْلُومًا أَنَّ مِثْلَهُ لاَ يَسْتَمْتِعُ بِامْرَأَتِهِ قَالَ وَلاَ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِامْرَأَةٍ حَتَّى تَدْخُلَ عَلَى زَوْجِهَا أَوْ تُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فَيَكُونُ الزَّوْجُ يَتْرُكُ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَتْ هِيَ الْمُمْتَنِعَةَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ لَهُ نَفْسَهَا وَكَذَلِكَ إنْ هَرَبَتْ مِنْهُ أَوْ مَنَعَتْهُ الدُّخُولَ عَلَيْهَا بَعْدَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ مَا كَانَتْ مُمْتَنِعَةً مِنْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا نَكَحَهَا ثُمَّ خَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فَلَمْ يَدْخُلْ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لِأَنَّ الْحَبْسَ مِنْ قِبَلِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا نَكَحَهَا ثُمَّ غَابَ عَنْهَا فَسَأَلَتْ النَّفَقَةَ فَإِنْ كَانَتْ خَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَغَابَ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا فَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَدْ خَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا وَلاَ مَنَعَتْهُ فَهِيَ غَيْرُ مُخَلِّيَةٍ حَتَّى تُخَلِّي وَلاَ نَفَقَةَ عَلَيْهِ وَتَكْتُبُ إلَيْهِ وَيُؤَجَّلُ فَإِنْ قَدِمَ وَإِلَّا أَنْفَقَ إذَا أَتَى عَلَيْهِ قَدْرُ مَا يَأْتِيه الْكِتَابُ وَيَقْدَمُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

باب قَدْرِ النَّفَقَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى‏}‏ الْآيَةُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَفِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَعُولَ امْرَأَتَهُ وَبِمِثْلِ هَذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ كَمَا ذَكَرْت فِي الْباب قَبْلَ هَذَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ وَالنَّفَقَةُ نَفَقَتَانِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِ وَنَفَقَةُ الْمُقْتِرِ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَهُوَ الْفَقِيرُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ‏}‏ الْآيَةُ قَالَ وَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُ الْمُقْتِرَ مِنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ الْمَعْرُوفُ بِبَلَدِهِمَا قَالَ فَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ نُظَرَائِهَا لاَ تَكُونُ إلَّا مَخْدُومَةً عَالَهَا وَخَادِمًا لَهَا وَاحِدًا لاَ يَزِيدُ عَلَيْهِ وَأَقَلُّ مَا يَعُولُهَا بِهِ وَخَادِمُهَا مَا لاَ يَقُومُ بَدَنُ أَحَدٍ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ وَذَلِكَ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ طَعَامِ الْبَلَدِ الَّذِي يَقْتَاتُونَ حِنْطَةً كَانَ أَوْ شَعِيرًا أَوْ ذُرَةً أَوْ أُرْزًا أَوْ سُلْتًا وَلِخَادِمِهَا مِثْلُهُ وَمَكِيلَةً مِنْ أُدُمِ بِلاَدِهَا زَيْتًا كَانَ أَوْ سَمْنًا بِقَدْرِ مَا يَكْفِي مَا وَصَفْت مِنْ ثَلاَثِينَ مُدًّا فِي الشَّهْرِ وَلِخَادِمِهَا شَبِيهٌ بِهِ وَيَفْرِضُ لَهَا فِي دُهْنٍ وَمَشْطٍ أَقَلَّ مَا يَكْفِيهَا وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ لِخَادِمِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ لَهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ كَانَتْ بِبَلَدٍ يَقْتَاتُونَ فِيهِ أَصْنَافًا مِنْ الْحُبُوبِ كَانَ لَهَا الْأَغْلَبُ مِنْ قُوتِ مِثْلِهَا فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ وَقَدْ قِيلَ لَهَا فِي الشَّهْرِ أَرْبَعَةُ أَرْطَالٍ لَحْمٍ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ رِطْلٌ وَذَلِكَ الْمَعْرُوفُ لَهَا، وَفَرَضَ لَهَا مِنْ الْكِسْوَةِ مَا يَكْسِي مِثْلَهَا بِبَلَدِهَا عِنْدَ الْمُقْتِرِ وَذَلِكَ مِنْ الْقُطْنِ الْكُوفِيِّ وَالْبَصْرِيِّ وَمَا أَشْبَهَهُمَا وَلِخَادِمِهَا كِرْبَاسٌ وَتُبَّانٌ وَمَا أَشْبَهَهُ وَفَرَضَ لَهَا فِي الْبِلاَدِ الْبَارِدَةِ أَقَلَّ مَا يَكْفِي فِي الْبَرْدِ مِنْ جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ وَقَطِيفَةٍ أَوْ لِحَافٍ وَسَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ وَخِمَارٍ أَوْ مِقْنَعَةٍ وَلِخَادِمِهَا جُبَّةَ صُوفٍ وَكِسَاءٍ تلتحفه يُدْفِئُ مِثْلَهَا وَقَمِيصٍ وَمِقْنَعَةٍ وَخُفٍّ وَمَا لاَ غِنَى بِهَا عَنْهُ وَفَرَضَ لَهَا لِلصَّيْفِ قَمِيصًا وَمِلْحَفَةً وَمِقْنَعَةٍ قَالَ وَتَكْفِيهَا الْقَطِيفَةُ سَنَتَيْنِ وَالْجُبَّةُ الْمَحْشُوَّةُ كَمَا يَكْفِي مِثْلَهَا السَّنَتَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ كَانَتْ رَغِيبَةً لاَ يُجْزِيهَا هَذَا أَوْ زَهِيدَةً يَكْفِيهَا أَقَلُّ مِنْ هَذَا دُفِعَتْ هَذِهِ الْمَكِيلَةُ إلَيْهَا وَتَزَيَّدَتْ إنْ كَانَتْ رَغِيبَةً مِنْ ثَمَنِ أُدُمٍ أَوْ لَحْمٍ أَوْ عَسَلٍ وَمَا شَاءَتْ فِي الْحَبِّ وَإِنْ كَانَتْ زَهِيدَةً تَزَيَّدَتْ فِيمَا لاَ يَقُوتُهَا مِنْهُ مِنْ الطَّعَامِ وَمِنْ فَضْلِ الْمَكِيلَةِ قَالَ وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا مُوَسَّعًا عَلَيْهِ فَرَضَ لَهَا مُدَّيْنِ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرَضَ لَهَا مِنْ الْأُدُمِ وَاللَّحْمِ ضِعْفَ مَا وَصَفْته لِامْرَأَةِ الْمُقْتِرِ وَكَذَلِكَ فِي الدُّهْنِ وَالْعَسَلِ وَفَرَضَ لَهَا مِنْ الْكِسْوَةِ وَسَطَ الْبَغْدَادِيِّ وَالْهَرَوِيِّ وَلِينَ الْبَصْرَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَكَذَلِكَ يُحْشَى لَهَا لِلشِّتَاءِ إنْ كَانَتْ بِبِلاَدٍ يَحْتَاجُ أَهْلُهَا إلَى الْحَشْوِ وَتُعْطَى قَطِيفَةً وَسَطًا لاَ تُزَادُ وَإِنْ كَانَتْ رَغِيبَةً فَعَلَى مَا وَصَفْت وَتَنْقُصُ إنْ كَانَتْ زَهِيدَةً حَتَّى تُعْطَى مُدًّا بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ لِأَنَّ لَهَا سَعَةً فِي الْأُدُمِ وَالْفَرْضِ تَزِيدُ بِهَا مَا أَحَبَّتْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَفْرِضُ عَلَيْهِ فِي هَذَا كُلِّهِ مَكِيلَةَ طَعَامٍ لاَ دَرَاهِمَ فَإِنْ شَاءَتْ هِيَ أَنْ تَبِيعَهُ فَتَصْرِفَهُ فِيمَا شَاءَتْ صَرَفَتْهُ وَأَفْرِضُ لَهَا نَفَقَةَ خَادِمٍ وَاحِدٍ لاَ أَزِيدُ عَلَيْهِ وَأَجْعَلُهُ مُدًّا وَثُلُثًا بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ ذَلِكَ سَعَةٌ لِمِثْلِهَا وَأَفْرِضُ لَهَا عَلَيْهِ فِي الْكِسْوَةِ الْكِرْبَاسَ وَغَلِيظَ الْبَصْرِيِّ وَالْوَاسِطِيِّ وَمَا أَشْبَهَهُ لاَ أُجَاوِزُهُ بِمُوسِعٍ مَنْ كَانَ وَمَنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ وَأَجْعَلُ عَلَيْهِ لِامْرَأَتِهِ فِرَاشًا وَوِسَادَةً مِنْ غَلِيظِ مَتَاعِ الْبَصْرَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَلِلْخَادِمَةِ الْفَرْوَةُ وَوِسَادَةٌ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ عَبَاءَةٍ أَوْ كِسَاءٍ غَلِيظٍ فَإِنْ بَلِيَ أَخْلَفَهُ وَإِنَّمَا جَعَلْت أَقَلَّ الْفَرْضِ مُدًّا بِالدَّلاَلَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَفْعِهِ إلَى الَّذِي أَصَابَ أَهْلَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِعِرْقٍ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ عِشْرُونَ صَاعًا لِسِتِّينَ مِسْكَيْنَا فَكَانَ ذَلِكَ مُدًّا مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَالْعِرْقُ خَمْسَةَ عَشَرَةَ صَاعًا عَلَى ذَلِكَ يَعْمَلُ لِيَكُونَ أَرْبَعَةَ أَعْرَاقٍ وَسْقًا وَلَكِنَّ الَّذِي حَدَّثَهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي الْحَدِيثِ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ عِشْرِينَ صَاعًا قَالَ وَإِنَّمَا جَعَلْت أَكْثَرَ مَا فَرَضْت مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدْيَةِ الْكَفَّارَةِ لِلْأَذَى مُدَّيْنِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَبَيْنَهُمَا وَسَطٌ فَلَمْ أَقْصُرْ عَنْ هَذَا وَلَمْ أُجَاوِزْ هَذَا لِأَنَّ مَعْلُومًا أَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ أَقَلَّ الْقُوتِ مُدٌّ وَأَنَّ أَوْسَعَهُ مُدَّانِ، قَالَ وَالْفَرْضُ عَلَى الْوَسَطِ الَّذِي لَيْسَ بِالْمُوسِعِ وَلاَ بِالْمُقْتِرِ مَا بَيْنَهُمَا مُدٌّ وَنِصْفٌ لِلْمَرْأَةِ وَمُدٌّ لِلْخَادِمِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ ثُمَّ غَابَ عَنْهَا أَيَّ غِيبَةٍ كَانَتْ فَطَلَبَتْ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا أُحْلِفَتْ مَا دَفَعَ إلَيْهَا نَفَقَةً وَفُرِضَ لَهَا فِي مَالِهِ نَفَقَتُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْدٌ بِيعَ لَهَا مِنْ عَرْضِ مَالِهِ وَأُنْفِقَ عَلَيْهَا مَا وَصَفْت مِنْ نَفَقَةِ مُوسِعٍ أَوْ مُقْتِرٍ أَيَّ الْحَالَيْنِ كَانَتْ حَالُهُ قَالَ فَإِنْ قَدِمَ فَأَقَامَ عَلَيْهَا بَيِّنَةً أَوْ أَقَرَّتْ بِأَنْ قَدْ قَبَضَتْ مِنْهُ أَوْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ نَفَقَةً وَأَخَذَتْ غَيْرَهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِمِثْلِ الَّذِي قَبَضَتْ‏.‏

قَالَ وَإِنْ غَابَ عَنْهَا زَمَانًا فَتَرَكَتْ طَلَبَ النَّفَقَةِ بِغَيْرِ إبْرَاءٍ لَهُ مِنْهَا ثُمَّ طَلَبَتْهَا فُرِضَ لَهَا مِنْ يَوْمِ غَابَ عَنْهَا قَالَ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ حَاضِرًا فَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا فَطَلَبَتْ فِيمَا مَضَى فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا‏.‏

قَالَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ قَدْ دَفَعْت إلَيْهَا نَفَقَتَهَا وَقَالَتْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيَّ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِدَفْعِهِ إلَيْهَا أَوْ إقْرَارِهَا بِهِ وَالنَّفَقَةُ كَالْحُقُوقِ لاَ يُبْرِئُهُ مِنْهَا إلَّا إقْرَارُهَا أَوْ بَيِّنَةٌ تَقُومُ عَلَيْهَا بِقَبْضِهَا‏.‏

قَالَ وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا بَقِيَ مِنْ نَفَقَةِ السَّنَةِ مِنْ يَوْمِ وَقَعَ الطَّلاَقُ قَالَ وَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِيهِمَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا بَقِيَ مِنْ نَفَقَةِ السَّنَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلاً فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا أَوْ وَاحِدَةً رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا بَقِيَ مِنْ نَفَقَةِ السَّنَةِ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ قَالَ وَإِنْ تَرَكَهَا سَنَةً لاَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَأَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ تِلْكَ السَّنَةِ وَسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ بَرِيءَ مِنْ نَفَقَةِ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ لِأَنَّهَا قَدْ وَجَبَتْ لَهَا وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ نَفَقَةِ السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لِأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ قَبْلَ أَنْ تَجِبَ لَهَا وَكَانَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ بِهَا وَمَا أَوْجَبَتْ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَتِهَا فَمَاتَتْ فَهُوَ لِوَرَثَتِهَا وَإِذَا مَاتَ ضَرَبَتْ مَعَ الْغُرَمَاءِ فِي مَالِهِ كَحُقُوقِ النَّاسِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

باب فِي الْحَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا النَّفَقَة وَلاَ تَجِب

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ عُقْدَةَ الْمَرْأَةِ يُجَامَعُ مِثْلُهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَالِغًا فَخَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا أَوْ خَلَّى أَهْلُهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَلَمْ تَمْتَنِعْ هِيَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا كَمَا تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا دَخَلَ بِهَا لِأَنَّ الْحَبْسَ مِنْ قِبَلِهِ قَالَ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ صَغِيرًا تَزَوَّجَ بَالِغًا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لِأَنَّ الْحَبْسَ مِنْ قِبَلِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجَانِ بَالِغَيْنِ فَامْتَنَعَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الدُّخُولِ أَوْ أَهْلُهَا لِعِلَّةٍ أَوْ إصْلاَحِ أَمْرِهَا لَمْ تَجِبْ عَلَى زَوْجِهَا نَفَقَتُهَا حَتَّى لاَ يَكُونَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الدُّخُولِ إلَّا مِنْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ فَغَابَ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا حَتَّى يَحْضُرَ فَلاَ تُمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ وَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ إلَّا أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِ أَهْلُهَا أَنْ اُقْدُمْ فَادْخُلْ فَيُؤَجَّلُ بِقَدْرِ مَا يَسِيرُ بَعْدَ بُلُوغِ رِسَالَتِهَا إلَيْهِ أَوْ تَسِيرُ هِيَ إلَيْهِ وَيُوَسَّعُ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنْ تَأَخَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لِأَنَّ الْحَبْسَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ‏.‏

قَالَ وَلَوْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ فَمَرِضَتْ مَرَضًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِهَا مَعَهُ كَانَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِهَا إذَا لَمْ تَمْتَنِعْ مِنْ أَنْ يَأْتِيَهَا إنْ شَاءَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ لَمْ تَدْخُلْ عَلَيْهِ وَخَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا كَانَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلصِّغَرِ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ الِامْتِنَاعُ فِيهِ مِنْ الْإِتْيَانِ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَعَافُهَا بِلاَ امْتِنَاعٍ مِنْهَا لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ أَنْ تُؤْتَى قَالَ وَلَوْ أَصَابَهَا فِي الْفَرْجِ شَيْءٌ يَضُرُّ بِهِ الْجِمَاعُ ضَرَرًا شَدِيدًا مُنِعَ مِنْ جِمَاعِهَا إنْ شَاءَتْ وَأَخَذَ بِنَفَقَتِهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْتَقَتْ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَأْتِيَهَا أَبَدًا بَعْدَ مَا أَصَابَهَا أَخَذَ بِنَفَقَتِهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذَا عَارِضٌ لَهَا لاَ مَنْعٌ مِنْهَا لِنَفْسِهَا وَقَدْ جُومِعَتْ وَكَانَتْ مِمَّنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا‏.‏

قَالَ وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فَأَحْرَمَتْ أَوْ اعْتَكَفَتْ أَوْ لَزِمَهَا صَوْمٌ بِنَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا فِي حَالاَتِهَا تِلْكَ كُلِّهَا‏.‏

قَالَ وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ تَدْخُلْ عَلَيْهِ فَهَرَبَتْ أَوْ امْتَنَعَتْ أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَمَنَعَهَا أَهْلُهَا فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا وَأَنْكَرَ فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ حَتَّى تَعُودَ إلَى غَيْرِ الِامْتِنَاعِ مِنْهُ‏.‏

قَالَ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ ثَلاَثًا وَلَمْ يُبَيِّنْ أَخَذَ بِنَفَقَتِهِنَّ كُلِّهِنَّ حَتَّى يُبَيِّنَ لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ بِهِ وَالِامْتِنَاعُ كَانَ مِنْهُ لاَ مِنْهُنَّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكُلُّ زَوْجَةٍ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ حُرَّةً مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً فَسَوَاءٌ فِي النَّفَقَةِ وَالْخِدْمَةِ عَلَى قَدْرِ سَعَةِ مَالِهِ وَضِيقِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ أَمَةً فَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِعًا أَنْ يُنْفِقَ لِلْأَمَةِ عَلَى خَادِمٍ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ لِلْأَمَةِ أَنَّهَا خَادِمٌ كَانَتْ فِي الْفَرَاهَةِ وَكَثْرَةِ الثَّمَنِ مَا كَانَتْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيَلْزَمُ الزَّوْجَ نَفَقَةُ وَلَدِهِ عَلَى مَا ذَكَرْت مِنْ قَدْرِ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ وَكِسْوَتِهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانُوا مَمَالِيكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ وَإِذَا عَتَقُوا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ وَيُنْفِقُ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَآبَائِهِ كَمَا وَصَفْت وَلاَ يُنْفِقُ عَلَى أَحَدِ أَقْرِبَائِهِ غَيْرُهُمْ لاَ أَخٌ وَلاَ عَمٌّ وَلاَ خَالَةٌ وَلاَ عَلَى عَمَّةٍ وَلاَ عَلَى ابْنٍ مِنْ رَضَاعَةٍ وَلاَ عَلَى أَبٍ مِنْهَا قَالَ وَكُلُّ زَوْجٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَوَثَنِيٍّ عِنْدَهُ حُرَّةٌ مِنْ النِّسَاءِ فِي هَذَا كُلِّهِ سَوَاءٌ لاَ يَخْتَلِفُونَ‏.‏

باب نَفَقَةِ الْعَبَدِ عَلَى امْرَأَتِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ حُرَّةً أَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً فَعَلَيْهِ نَفَقَاتُهُنَّ كُلِّهِنَّ كَنَفَقَةِ الْمُقْتِرِ لاَ يُخَالِفُهُ وَلاَ يُفْرَضُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ إلَّا وَهُوَ مُقْتِرٌ لِأَنَّ مَا بِيَدَيْهِ وَإِنْ اتَّسَعَ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ قَالَ وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى وَلَدِهِ أَحْرَارًا كَانُوا أَوْ مَمَالِيكَ قَالَ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَكُلُّ مَنْ لَمْ تَكْمُلُ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ فِي هَذَا كُلِّهِ كَالْمَمْلُوكِ وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُكَاتَبِ أُمُّ وَلَدٍ وَطِئَهَا فِي الْمُكَاتَبَةِ بِالْمِلْكِ فَوَلَدَتْ لَهُ أَنْفَقَ عَلَى وَلَدِهِ فَإِنْ عَجَزَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ لِأَنَّهُمْ مَمَالِيكُ لِسَيِّدِهِ قَالَ وَيُنْفِقُ الْعَبْدُ عَلَى امْرَأَتِهِ إذَا طَلَّقَهَا طَلاَقًا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ رَجْعَتَهَا لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلاً فَيُنْفِقَ عَلَيْهَا لِأَنَّ نَفَقَةَ الْحَوَامِلِ فَرْضٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَسْت أَعْرِفُهَا إلَّا لِمَكَانِ الْوَلَدِ فَإِذَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَهِيَ مُطَلَّقَةٌ لاَ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَهُوَ يَرَاهَا حَامِلاً ثُمَّ بَانَ أَنْ لَيْسَ بِهَا حَمْلٌ رَجَعَ عَلَيْهَا بِالنَّفَقَةِ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا إنْ أَرَادَ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِأَمْرِ قَاضٍ أَوْ غَيْرِ أَمْرِ قَاضٍ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُ فِي الظَّاهِرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا حَامِلٌ وَإِذَا بَانَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ رَجَعَ عَلَيْهَا بِهِ‏.‏ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ‏.‏

باب الرَّجُلِ لاَ يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ دَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ سُنَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَعُولَ امْرَأَتَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَلَمَّا كَانَ مِنْ حَقِّهَا عَلَيْهِ أَنْ يَعُولَهَا وَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْهَا وَيَكُونَ لِكُلٍّ عَلَى كُلٍّ مَا لِلزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلِلْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ احْتَمَلَ أَنْ لاَ يَكُونَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُمْسِكَ الْمَرْأَةَ يَسْتَمْتِعَ بِهَا وَيَمْنَعَهَا غَيْرَهُ تَسْتَغْنِي بِهِ وَيَمْنَعَهَا أَنْ تَضْطَرِبَ فِي الْبَلَدِ وَهُوَ لاَ يَجِدُ مَا يَعُولُهَا بِهِ فَاحْتَمَلَ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا أَنْ تُخَيَّرَ الْمَرْأَةُ بَيْنَ الْمُقَامِ مَعَهُ وَفِرَاقِهِ فَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِلاَ طَلاَقٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ شَيْئًا أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ وَلاَ جَعَلَ إلَى أَحَدٍ إيقَاعَهُ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهُمْ أَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا حَبَسُوا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا يُشْبِهُ مَا وَصَفْت قَبْلَهُ وَإِلَيْهِ يَذْهَبُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَأَحْسَبُ عُمَرَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لَمْ يَجِدْ بِحَضْرَتِهِ لَهُمْ أَمْوَالاً يَأْخُذُ مِنْهَا نَفَقَةَ نِسَائِهِمْ فَكَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِالنَّفَقَةِ إنْ وَجَدُوهَا وَالطَّلاَقِ إنْ لَمْ يَجِدُوهَا وَإِنْ طَلَّقُوا فَوُجِدَ لَهُمْ أَمْوَالٌ أَخَذُوهُمْ بِالْبَعْثَةِ بِنَفَقَةِ مَا حَبَسُوا‏.‏

قَالَ وَإِذَا وَجَدَ نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ يَوْمًا بِيَوْمٍ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَإِذَا لَمْ يَجِدْهَا لَمْ يُؤَجَّلْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ وَلاَ يَمْنَعُ الْمَرْأَةَ فِي الثَّلاَثِ مِنْ أَنْ تَخْرُجَ فَتَعْمَلَ أَوْ تَسْأَلَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَفَقَتَهَا خُيِّرَتْ كَمَا وَصَفْت فِي هَذَا الْقَوْلِ فَإِنْ كَانَ يَجِدُ نَفَقَتَهَا بَعْدَ ثَلاَثٍ يَوْمًا وَيَعُوزُ يَوْمًا خُيِّرَتْ إذَا مَضَتْ ثَلاَثٌ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَفَقَتِهَا بِأَقَلَّ مَا وَصَفْت لِلنَّفَقَةِ عَلَى الْمُقْتِرِ خُيِّرَتْ فِي هَذَا الْقَوْلِ فَإِذَا بَلَغَ هَذَا وَوَجَدَ نَفَقَتَهَا وَلَمْ يَجِدْ نَفَقَةَ خَادِمِهَا لَمْ تُخَيَّرْ لِأَنَّهَا تَمَاسَكَ بِنَفَقَتِهَا وَكَانَتْ نَفَقَةُ خَادِمِهَا دَيْنًا عَلَيْهِ مَتَى أَيْسَرَ أَخَذَتْهُ بِهِ قَالَ وَإِذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَيْسَرَ لَمْ تُرَدَّ عَلَيْهِ وَلاَ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فِي الْعِدَّةِ إلَّا أَنْ تَشَاءَ هِيَ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ قَالَ وَمَنْ قَالَ هَذَا فِيمَنْ لاَ يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَلَمْ يَجِدْ صَدَاقَهَا لَزِمَهُ عِنْدِي إذَا لَمْ يَجِدْ صَدَاقَهَا أَنْ يُخَيِّرَهَا وَإِنْ وَجَدَ نَفَقَتَهَا بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ وَمَا أَشْبَهَهَا لِأَنَّ صَدَاقَهَا شَبِيهٌ بِنَفَقَتِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ نَكَحَتْهُ وَهِيَ تَعْرِفُ عُسْرَتَهُ فَحُكْمُهَا وَحُكْمُهُ فِي عُسْرَتِهِ كَحُكْمِ الْمَرْأَةِ تَنْكِحُ الرَّجُلَ مُوسِرًا فَيُعْسِرُ لِأَنَّهُ قَدْ يُوسِرُ بَعْدَ الْعُسْرِ وَيُعْسِرُ بَعْدَ الْيُسْرِ وَقَدْ تَعْلَمُهُ مُعْسِرًا وَهِيَ تَرَى لَهُ حِرْفَةً تُغْنِيهَا أَوْ لاَ تُغْنِيه وَتُغْنِيهَا أَوْ مَنْ يَتَطَوَّعُ فَيُعْطِيه مَا يُغْنِيهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ الْمَرْأَةِ فَأُجِّلَ ثَلاَثًا ثُمَّ خُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ الْمُقَامَ مَعَهُ فَمَتَى شَاءَتْ أُجِّلَ أَيْضًا ثُمَّ كَانَ لَهَا فِرَاقُهُ لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا الْمُقَامَ مَعَهُ عَفْوٌ عَمَّا مَضَى فَعَفْوُهَا فِيهِ جَائِزٌ وَعَفْوُهَا غَيْرُ جَائِزٍ عَمَّا اسْتَقْبَلَ فَلاَ يَجُوزُ عَفْوُهَا عَمَّا لَمْ يَجِبْ لَهَا وَهِيَ كَالْمَرْأَةِ تَنْكِحُ الرَّجُلَ تَرَاهُ مُعْسِرًا لِأَنَّهَا قَدْ تَعْفُو ذَلِكَ ثُمَّ يُوسِرَ بَعْدَ عُسْرَتِهِ فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا‏.‏

قَالَ وَإِذَا أَعْسَرَ بِالصَّدَاقِ وَلَمْ يُعْسِرْ بِالنَّفَقَةِ فَخُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ الْمُقَامَ مَعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِرَاقُهُ لِأَنَّهُ لاَ ضَرَرَ عَلَى بَدَنِهَا مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا فِي اسْتِئْجَارِ صَدَاقِهَا وَقَدْ عَفَتْ فُرْقَتَهُ كَمَا يُخَيَّرُ صَاحِبُ الْمُفْلِسِ فِي عَيْنِ مَالِهِ وَذِمَّةِ صَاحِبِهِ فَيَخْتَارُ ذِمَّةَ صَاحِبِهِ فَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْدَ عَيْنِ مَالِهِ، وَصَدَاقُهَا دَيْنٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا نَكَحَهَا فَأَعْسَرَ بِالصَّدَاقِ فَلَهَا أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْهِ حَتَّى يُعْطِيَهَا الصَّدَاقَ وَلَهَا النَّفَقَةُ إنْ قَالَتْ إذَا جِئْت بِالصَّدَاقِ خَلَّيْت بَيْنِي وَبَيْنَك‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ دَخَلَتْ فَأَعْسَرَ بِالصَّدَاقِ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُخَيَّرَ لِأَنَّهَا قَدْ رَضِيَتْ بِالدُّخُولِ بِلاَ صَدَاقٍ وَلاَ يَمْتَنِعُ مِنْهُ مَا كَانَ يُنْفَقُ عَلَيْهِ وَدُخُولُهَا عَلَيْهِ بِلاَ صَدَاقٍ رِضًا بِذِمَّتِهِ كَمَا يَكُونُ رِضَا الرَّجُلِ مِنْ عَيْنِ مَالِهِ يَجِدُهُ بِذِمَّةِ غَرِيمِهِ أَوْ تَفُوتُ عِنْدَ غَرِيمِهِ فَلاَ يَكُونُ لَهُ إلَّا ذِمَّةُ غَرِيمِهِ‏.‏

قَالَ وَسَوَاءٌ فِي الْعُسْرَةِ بِالصَّدَاقِ وَالنَّفَقَةِ كُلُّ زَوْجٍ وَزَوْجَةٍ، الْحُرُّ تَحْتَهُ الْأَمَةُ وَالْعَبْدُ تَحْتَهُ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ وَالْخِيَارُ لِلْأَمَةِ تَحْتَ الْحُرِّ فِي الْعُسْرَةِ بِالنَّفَقَةِ فَإِنْ شَاءَ سَيِّدُهَا أَنْ يَتَطَوَّعَ عَنْ الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ فَلاَ خِيَارَ لِلْأَمَةِ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلنَّفَقَةِ وَإِذَا امْتَنَعَ فَالْخِيَارُ لِلْأَمَةِ لاَ لِسَيِّدِهَا قَالَ وَكَذَلِكَ الْخِيَارُ لِلْحُرَّةِ لاَ لِوَلِيِّهَا فَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ أَوْ الْحُرَّةُ مَغْلُوبَةً عَلَى عَقْلِهَا أَوْ صَبِيَّةً لَمْ تَبْلُغْ لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بِعُسْرِهِ بِصَدَاقٍ وَلاَ نَفَقَةٍ‏.‏

وَإِذَا أَعْسَرَ زَوْجُ الْأَمَةِ بِالصَّدَاقِ فَالصَّدَاقُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ وَالْخِيَارُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ لاَ لِلْأَمَةِ فَإِنْ اخْتَارَتْ الْأَمَةُ فِرَاقَهُ وَاخْتَارَ السَّيِّدُ أَنْ لاَ تُفَارِقَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ ذَلِكَ لِسَيِّدِهَا وَلاَ ضَرَرَ فِيهِ عَلَيْهَا وَالْمُسْلِمُ تَحْتَهُ الْكِتَابِيَّةُ وَالْكِتَابِيُّ تَحْتَهُ الْكِتَابِيَّةُ إذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ حَقَّهَا قِبَلَهُ فِي نَفَقَةٍ وَصَدَاقٍ كَمَا وَصَفْت مِنْ مِثْلِهِ لِلْأَزْوَاجِ الْحَرَائِرِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ قِيلَ لاَ خِيَارَ لِلْمَرْأَةِ فِي عُسْرَةِ الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ وَتُخَلَّى تَطْلُبُ عَلَى نَفْسِهَا وَلاَ خِيَارَ فِي عُسْرِهِ بِالصَّدَاقِ وَلَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْهُ مَا لَمْ تَدْخُلْ عَلَيْهِ فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْهُ وَهِيَ غَرِيمٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ قَالَ وَعَلَى السَّيِّدِ نَفَقَاتُ أُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَرَقِيقِهِ كُلِّهِمْ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ مُسْلِمِهِمْ وَكَافِرِهِمْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ مُكَاتِبِيهِ حَتَّى يَعْجِزُوا فَإِذَا عَجَزُوا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ‏.‏

باب أَيُّ الْوَالِدَيْنِ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ غُلاَمًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ»‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَرْمِيِّ عَنْ عُمَارَةَ الْجَرْمِيِّ قَالَ خَيَّرَنِي عَلِيٌّ بَيْنَ أُمِّي وَعَمِّي ثُمَّ قَالَ لِأَخٍ لِي أَصْغَرَ مِنِّي وَهَذَا أَيْضًا لَوْ قَدْ بَلَغَ مَبْلَغَ هَذَا خَيَّرْته‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَارَةَ قَالَ خَيَّرَنِي عَلِيٌّ رضي الله تعالى عنه بَيْنَ أُمِّي وَعَمِّي وَقَالَ لِأَخٍ لِي أَصْغَرَ مِنِّي‏:‏ وَهَذَا لَوْ بَلَغَ كَبَلْغِ هَذَا خَيَّرْته قَالَ إبْرَاهِيمُ وَفِي الْحَدِيثِ وَكُنْت ابْنَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِذَا افْتَرَقَ الْأَبَوَانِ وَهُمَا فِي قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَمَا كَانُوا صِغَارًا فَإِذَا بَلَغَ أَحَدُهُمْ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ وَهُوَ يَعْقِلُ خُيِّرَ بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَكَانَ عِنْدَ أَيِّهِمَا اخْتَارَ، فَإِنْ اخْتَارَ أُمَّهُ فَعَلَى أَبِيهِ نَفَقَتُهُ وَلاَ يُمْنَعُ مِنْ تَأْدِيبِهِ، قَالَ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَيَخْرُجُ الْغُلاَمُ إلَى الْكُتَّابِ وَالصِّنَاعَةِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا وَيَأْوِي عِنْدَ أُمِّهِ وَعَلَى أَبِيهِ نَفَقَتُهُ وَإِنْ اخْتَارَ أَبَاهُ لَمْ يَكُنْ لِأَبِيهِ مَنْعُهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ أُمَّهُ وَتَأْتِيَهُ فِي الْأَيَّامِ وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً لَمْ تُمْنَعْ أُمُّهَا مِنْ أَنْ تَأْتِيَهَا وَلاَ أَعْلَمُ عَلَى أَبِيهَا إخْرَاجَهَا إلَيْهَا إلَّا مِنْ مَرَضٍ فَيُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِهَا عَائِدَةً، قَالَ وَإِنْ مَاتَتْ الْبِنْتُ لَمْ تُمْنَعْ الْأُمُّ مِنْ أَنْ تَلِيَهَا حَتَّى تُدْفَنَ وَلاَ تُمْنَعُ فِي مَرَضِهَا مِنْ أَنْ تَلِيَ تَمْرِيضَهَا فِي مَنْزِلِ أَبِيهَا قَالَ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مَخْبُولاً فَهُوَ كَالصَّغِيرِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ غَيْرَ مَخْبُولٍ ثُمَّ خُبِلَ فَهُوَ كَالصَّغِيرِ الْأُمُّ أَحَقُّ بِهِ وَلاَ يُخَيَّرُ أَبَدًا قَالَ وَإِنَّمَا أُخَيِّرُ الْوَلَدَ بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ إذَا كَانَا مَعًا ثِقَةً لِلْوَلَدِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ثِقَةً وَالْآخَرُ غَيْرَ ثِقَةٍ فَالثِّقَةُ أَوْلاَهُمَا بِهِ بِغَيْرِ تَخْيِيرٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ وَلَهَا أُمٌّ لاَ زَوْجَ لَهَا فَالْأُمُّ تَقُومُ مَقَامَ ابْنَتِهَا فِي الْوَلَدِ لاَ تُخَالِفُهَا فِي شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِيهِمْ حَقٌّ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا جَدَّ الْوَلَدِ فَلاَ تُمْنَعُ حَقًّا فِيهِمْ عِنْدَ وَالِدٍ قَالَ وَإِذَا آمَتْ الْأُمُّ مِنْ الزَّوْجِ كَانَتْ أَحَقَّ بِهِمْ مِنْ الْجَدَّةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا اُجْتُمِعَ الْقَرَابَةُ مِنْ النِّسَاءِ فَتَنَازَعْنَ الْوَلَدَ فَالْأُمُّ أَوْلَى ثُمَّ أُمُّهَا ثُمَّ أُمُّ أُمِّهَا ثُمَّ أُمَّهَاتُ أُمِّهَا وَإِنْ بَعُدْنَ ثُمَّ الْجَدَّةُ أُمُّ الْأَبِ ثُمَّ أُمُّهَا ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا ثُمَّ الْجَدَّةُ أُمُّ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ ثُمَّ أُمُّهَا ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ وَالْأُمُّ ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأُمِّ ثُمَّ الْخَالَةُ ثُمَّ الْعَمَّةُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ وِلاَيَةَ لِأُمِّ أَبِي الْأُمِّ لِأَنَّ قَرَابَتَهَا باب لاَ بِأُمٍّ فَقَرَابَةُ الصَّبِيِّ مِنْ النِّسَاءِ أَوْلَى‏.‏

قَالَ وَلاَ حَقَّ لِأَحَدٍ مَعَ الْأَبِ غَيْرِ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتِهَا فَأَمَّا أَخَوَاتُهُ وَغَيْرُهُنَّ فَإِنَّمَا يَكُونُ حَقُّهُنَّ بِالْأَبِ فَلاَ يَكُونُ لَهُنَّ حَقٌّ مَعَهُ وَهُنَّ يُدْلِينَ بِهِ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَبٌ أَوْ كَانَ غَائِبًا أَوْ غَيْرَ رَشِيدٍ قَالَ وَكَذَلِكَ أَبُو أَبِ الْأَبِ قَالَ وَكَذَلِكَ الْعَمُّ وَابْنُ الْعَمِّ وَابْنُ عَمِّ الْأَبِ وَالْعَصَبَةُ يَقُومُونَ مَقَامَ الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَقْرَبَ مِنْهُمْ مَعَ الْأُمِّ وَغَيْرِهَا مِنْ أُمَّهَاتِهَا‏.‏

قَالَ وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ الْبَلَدِ الَّذِي نَكَحَ بِهِ الْمَرْأَةَ كَانَتْ بَلَدُهُ وَبَلَدُهَا أَوْ بَلَدُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ أَوْ لَمْ تَكُنْ فَسَوَاءٌ وَالْأَبُ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مُرْضَعًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا أَوْ كَيْفَ مَا كَانَ وَكَذَلِكَ قَرَابَةُ الْأَبِ وَإِنْ بَعُدَتْ وَالْعَصَبَةُ إذَا افْتَرَقَتْ الدَّارُ أَوْلَى فَإِنْ صَارَتْ الْأُمُّ أَوْ الْجَدَّاتُ مَعَهُمْ فِي الدَّارِ الَّتِي يَتَحَوَّلُ بِهِمْ إلَيْهَا أَوْ رَجَعَ هُوَ بِهِمْ إلَى بَلَدِهَا كَانَتْ عَلَى حَقِّهَا فِيهِمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكُلُّ مَا وَصَفْت إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً أَوْ مَنْ يُنَازِعُ فِي الْوَلَدِ بِقَرَابَتِهَا حُرًّا فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَوْ مَنْ يُنَازِعُ بِقَرَابَتِهَا مَمَالِيكَ فَلاَ حَقَّ لِلْمَمْلُوكِ فِي الْوَلَدِ الْحُرِّ، وَالْأَبُ الْحُرُّ أَحَقُّ بِهِمْ إذَا كَانُوا أَحْرَارًا قَالَ وَكَذَلِكَ إنْ نَكَحَتْ أُمُّهُمْ وَهِيَ حُرَّةٌ أَوْ لَمْ تَنْكِحْ وَهِيَ غَيْرُ ثِقَةٍ وَلَهَا أُمٌّ مَمْلُوكَةٌ فَلاَ حَقَّ لِلْمَمْلُوكَةِ بِقَرَابَةِ أُمٍّ قَالَ وَكَذَلِكَ كُلُّ مِنْ لَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ قَالَ وَمَتَى عَتَقَتْ كَانَتْ عَلَى حَقِّهَا فِي الْوَلَدِ قَالَ وَإِذَا كَانَ وَلَدُ الْحُرِّ مَمَالِيكَ فَمَالِكُهُمْ أَحَقُّ بِهِمْ مِنْهُ قَالَ وَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ مِنْ حُرَّة وَأَبُوهُ مَمْلُوكٌ فَأُمُّهُمْ أَحَقُّ بِهِمْ وَلاَ يُخَيَّرُونَ فِي وَقْتِ الْخِيَارِ قَالَ وَلَيْسَ عَلَى الْأَبِ إذَا لَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ نَفَقَةُ وَلَدِهِ مِنْ زَوْجَةٍ لَهُ إنْ كَانُوا مَمَالِيكَ فَنَفَقَتُهُمْ عَلَى سَيِّدِهِمْ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَبُوهُمْ حُرًّا وَهُمْ مَمَالِيكُ فَإِذَا عَتَقُوا فَنَفَقَتُهُمْ عَلَى أَبِيهِمْ الْحُرِّ وَلاَ نَفَقَةَ عَلَى الْأَبِ الَّذِي لَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ عَتَقُوا أَوْ كَانُوا أَحْرَارًا مِنْ الْأَصْلِ بِأَنَّ أُمَّهُمْ حُرَّةٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ لَهُمْ وَلاَ ذُو مَالٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ وَلاَ يَسْتَمْتِعُ مِنْهُمْ بِمَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ مِنْ أُمِّهِمْ إذَا كَانَتْ زَوْجَةً وَلاَ حَقَّ لَهُ فِي كَيْنُونَةِ الْوَلَدِ عِنْدَهُ‏.‏

قَالَ وَإِذَا كَانَ مَنْ يُنَازِعُ فِي الْوَلَدِ أُمٌّ أَوْ قَرَابَةٌ غَيْرُ ثِقَةٍ فَلاَ حَقَّ لَهُ فِي الْوَلَدِ وَهِيَ كَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَأَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ أَحَقُّ بِالْمُنَازَعَةِ كَأَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ غَيْرَ ثِقَةٍ وَأُمُّهَا ثِقَةٌ فَالْحَقُّ لِأُمِّهَا مَا كَانَتْ الْبِنْتُ غَيْرَ ثِقَةٍ وَلَوْ صَلَحَ حَالُ الْبِنْتِ رَجَعَتْ عَلَى حَقِّهَا فِي الْوَلَدِ كَمَا تَنْكِحُ فَلاَ يَكُونُ لَهَا فِيهِمْ حَقٌّ وَتَئِيمُ فَتَرْجِعُ عَلَى حَقِّهَا فِيهِمْ وَهَكَذَا إنْ كَانَ الْأَبُ غَيْرَ ثِقَةٍ كَانَ أَبُوهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَأَخُوهُ وَذُو قَرَابَتِهِ فَإِذَا صَلُحَتْ حَالُهُ رَجَعَ إلَى حَقِّهِ فِي الْوَلَدِ فَعَلَى هَذَا الْباب كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ‏.‏

باب إتْيَانِ النِّسَاءِ حُيَّضًا

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ‏}‏ الْآيَةُ‏.‏ قَالَ فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏حَتَّى يَطْهُرْنَ‏}‏ حَتَّى يَرَيْنَ الطُّهْرَ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا تَطَهَّرْنَ‏}‏ بِالْمَاءِ ‏{‏فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ‏}‏ أَنْ تَجْتَنِبُوهُنَّ قَالَ وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إتْيَانَ النِّسَاءِ فِي الْمَحِيضِ لِأَذَى الْمَحِيضِ وَإِبَاحَتُهُ إتْيَانَهُنَّ إذَا طَهُرْنَ وَتَطَهَّرْنَ بِالْمَاءِ مِنْ الْحَيْضِ عَلَى أَنَّ الْإِتْيَانَ الْمُبَاحَ فِي الْفَرْجِ نَفْسِهِ كَالدَّلاَلَةِ عَلَى أَنَّ إتْيَانَ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ مُحَرَّمٌ قَالَ وَفِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ إتْيَانَ النِّسَاءِ فِي دَمِ الْحَيْضِ الَّذِي تُؤْمَرُ فِيهِ الْمَرْأَةُ بِالْكَفِّ عَنْ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَلَمْ يَحْرُمْ فِي دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ لِأَنَّهَا قَدْ جُعِلَتْ فِي دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ فِي حُكْمِ الطَّاهِرِ يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ قَائِمٌ وَالصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ عَلَيْهَا فَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَائِضًا لَمْ يَحِلَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا وَلاَ إذَا طَهُرَتْ حَتَّى تَطْهُرَ بِالْمَاءِ، ثُمَّ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُصِيبَهَا قَالَ‏:‏ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدْ مَاءً فَإِذَا تَيَمَّمَتْ حَلَّ لَهُ أَنْ يُصِيبَهَا وَلاَ يَحِلُّ لَهُ إصَابَتُهَا فِي الْحَضَرِ بِالتَّيَمُّمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهَا قُرْحٌ يَمْنَعُهَا الْغُسْلَ فَتَغْسِلَ فَرْجَهَا وَمَا لاَ قُرْحَ فِيهِ مِنْ جَسَدِهَا بِالْمَاءِ ثُمَّ تَتَيَمَّمَ ثُمَّ يَحِلُّ لَهُ إصَابَتُهَا إذَا حَلَّتْ لَهَا الصَّلاَةُ وَيُصِيبُهَا فِي دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ إنْ شَاءَ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الطَّهَارَةِ قَالَ وَبَيِّنٌ فِي الآيَةِ إنَّمَا نَهَى عَنْ إتْيَانِ النِّسَاءِ فِي الْمَحِيضِ وَمَعْرُوفٌ أَنَّ الْإِتْيَانَ فِي الْفَرْجِ لِأَنَّ التَّلَذُّذَ بِغَيْرِ الْفَرْجِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْجَسَدِ لَيْسَ إتْيَانًا وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ مُبَاشَرَةَ الْحَائِضِ إذَا شَدَّتْ عَلَيْهَا إزَارَهَا وَالتَّلَذُّذَ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ مُفْضِيًا إلَيْهَا بِجَسَدِهِ وَفَرْجِهِ فَذَلِكَ لِزَوْجِ الْحَائِضِ وَلَيْسَ لَهُ التَّلَذُّذُ بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ مِنْهَا‏.‏

باب إتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ‏}‏ الْآيَةُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبَيِّنٌ أَنَّ مَوْضِعَ الْحَرْثِ مَوْضِعُ الْوَلَدِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْإِتْيَانَ فِيهِ إلَّا فِي وَقْتِ الْحَيْضِ و‏{‏أَنَّى شِئْتُمْ‏}‏ مِنْ أَيْنَ شِئْتُمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِبَاحَةُ الْإِتْيَانِ فِي مَوْضِعِ الْحَرْثِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمَ إتْيَانٍ فِي غَيْرِهِ فَالْإِتْيَانُ فِي الدُّبُرِ حَتَّى يَبْلُغَ مِنْهُ مَبْلَغَ الْإِتْيَانِ فِي الْقَبْلِ مُحَرَّمٌ بِدَلاَلَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ السُّنَّةِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أحيحة أَوْ ابْنِ فُلاَنِ بْنِ أحيحة بْنِ فُلاَنٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَكَانَ ثِقَةً عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ سَائِلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلاَلٌ ثُمَّ دَعَاهُ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَقَالَ كَيْفَ قُلْت فِي أَيِّ الْخَرِبَتَيْنِ أَوْ فِي أَيِّ الْخَرَزَتَيْنِ أَوْ فِي الْخَصْفَتَيْنِ أَمِنْ دُبْرِهَا فِي قُبُلِهَا فَنَعَمْ أَمْ مِنْ دُبْرِهَا فِي دُبْرِهَا فَلاَ إنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ لاَ تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأَمَّا التَّلَذُّذُ بِغَيْرِ إبْلاَغِ الْفَرْجِ بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ وَجَمِيعِ الْجَسَدِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ وَسَوَاءٌ هُوَ مِنْ الْأَمَةِ أَوْ الْحُرَّةِ فَإِذَا أَصَابَهَا فِيمَا هُنَاكَ لَمْ يُحْلِلْهَا لِزَوْجٍ إنْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا وَلَمْ يُحْصِنْهَا وَلاَ يَنْبَغِي لَهَا تَرْكُهُ وَإِنْ ذَهَبَتْ إلَى الْإِمَامِ نَهَاهُ فَإِنْ أَقَرَّ بِالْعَوْدَةِ لَهُ أَدَبُهُ دُونَ الْحَدِّ وَلاَ غُرْمَ عَلَيْهِ فِيهِ لَهَا لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ وَلَوْ كَانَ فِي زِنًا حُدَّ فِيهِ إنْ فَعَلَهُ حَدَّ الزِّنَا وَأُغْرِمَ إنْ كَانَ غَاصِبًا لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا قَالَ وَمَنْ فَعَلَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَأَفْسَدَ حَجَّهُ‏.‏

باب الِاسْتِمْنَاءِ

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ‏}‏ قَرَأَ إلَى‏:‏ ‏{‏الْعَادُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَكَانَ بَيِّنًا فِي ذِكْرِ حِفْظِهِمْ لِفُرُوجِهِمْ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ تَحْرِيمُ مَا سِوَى الْأَزْوَاجِ وَمَا مَلَكَتْ الْأَيْمَانُ وَبَيِّنٌ أَنَّ الْأَزْوَاجَ وَمِلْكَ الْيَمِينِ مِنْ الْآدَمِيَّاتِ دُونَ الْبَهَائِمِ ثُمَّ أَكَّدَهَا فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ‏}‏ فَلاَ يَحِلُّ الْعَمَلُ بِالذَّكَرِ إلَّا فِي الزَّوْجَةِ أَوْ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ وَلاَ يَحِلُّ الِاسْتِمْنَاءُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏}‏ مَعْنَاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِيَصْبِرُوا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ ‏{‏وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ‏}‏ لِيَكُفَّ عَنْ أَكْلِهِ بِسَلَفٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ وَكَانَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ‏}‏ بَيَانٌ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا الرِّجَالُ لاَ النِّسَاءُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَكُونَ مُتَسَرِّيَةً بِمَا مَلَكَتْ يَمِينُهَا لِأَنَّهَا مُتَسَرَّاةٌ أَوْ مَنْكُوحَةٌ لاَ نَاكِحَةٌ إلَّا بِمَعْنَى أَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ وَدَلاَلَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ إتْيَانِ الْبَهَائِمِ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَةَ بِإِحْلاَلِ الْفَرْجِ فِي الْآدَمِيَّاتِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِنَّ الْعِدَّةُ وَلَهُنَّ الْمِيرَاثُ مِنْهُمْ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ فَرَائِضِ الزَّوْجَيْنِ‏.‏

الِاخْتِلاَفُ فِي الدُّخُولِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ إذَا مَلَكَ الرَّجُلُ عُقْدَةَ الْمَرْأَةِ فَأَرَادَ الدُّخُولَ بِهَا فَإِنْ كَانَ مَهْرُهَا حَالًّا أَوْ بَعْضُهُ لَمْ تُجْبَرْ عَلَى الدُّخُولِ عَلَيْهِ حَتَّى يَدْفَعَ الْحَالَّ مِنْهُ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ دَيْنًا كُلَّهُ أُجْبِرَتْ عَلَى الدُّخُولِ عَلَيْهِ مَتَى شَاءَ لاَ وَقْتَ لَهَا فِي ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ لِتُصْلِحَ أَمْرَهَا وَنَحْوَهُ لاَ يُجَاوِزُ بِهَا ثَلاَثًا إذَا كَانَتْ بَالِغًا وَيُجَامَعُ مِثْلُهَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَمْلُوكَةُ وَالْحُرَّةُ وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْحُرَّةِ وَلاَ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ مَنْعُهُ إيَّاهَا إذَا دَفَعَ صَدَاقَهَا إنْ كَانَ حَالًّا أَوْ مَا كَانَ حَالًّا مِنْهُ قَالَ وَلاَ يُؤَجَّلُ الرَّجُلُ فِي الصَّدَاقِ إلَّا مَا يُؤَجَّلُ فِي دَيْنِ النَّاسِ وَيُبَاعُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ كَمَا يُبَاعُ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ وَيُحْبَسُ فِيهِ كَمَا يُحْبَسُ فِي الدُّيُونِ لاَ افْتِرَاقَ فِي ذَلِكَ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ بَالِغًا أَوْ مُقَارِبَةَ الْبُلُوغِ أَوْ جَسِيمَةً يَحْتَمِلُ مِثْلُهَا أَنْ يُجَامَعَ فَإِذَا كَانَتْ لاَ تَحْتَمِلُ أَنْ تُجَامَعَ فَلِأَهْلِهَا مَنْعُهَا الدُّخُولَ حَتَّى تَحْتَمِلَ الْجِمَاعَ وَلَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ دَفْعُ صَدَاقِهَا وَلاَ شَيْءَ مِنْهُ وَلاَ نَفَقَتَهَا حَتَّى تَكُونَ فِي الْحَالِ الَّتِي يُجَامَعُ مِثْلُهَا وَيُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا قَالَ وَمَتَى كَانَتْ بَالِغًا فَقَالَ لاَ أَدْفَعُ الصَّدَاقَ حَتَّى تُدْخِلُوهَا وَقَالُوا لاَ نَدْفَعُهَا حَتَّى تَدْفَعَ الصَّدَاقَ فَأَيُّهُمَا تَطَوَّعَ أَجْبَرَتْ الْآخَرَ عَلَى مَا عَلَيْهِ فَإِنْ تَطَوَّعَ الزَّوْجُ بِدَفْعِ الصَّدَاقِ أَجْبَرَتْ أَهْلَهَا عَلَى إدْخَالِهَا وَإِنْ تَطَوَّعَ أَهْلُهَا بِإِدْخَالِهَا أَجْبَرَتْ الزَّوْجَ عَلَى دَفْعِ الصَّدَاقِ قَالَ وَإِنْ امْتَنَعُوا مَعًا أَجْبَرَتْ أَهْلَهَا عَلَى وَقْتٍ يُدْخِلُونَهَا فِيهِ وَأَخَذَتْ الصَّدَاقَ مِنْ زَوْجِهَا فَإِنْ دَخَلَتْ دَفَعْته إلَيْهَا وَجَعَلْت لَهَا النَّفَقَةَ إذَا قَالُوا نَدْفَعُهَا إلَيْهِ إذَا دَفَعَ الصَّدَاقَ إلَيْنَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ كَانَتْ بَالِغًا مُضْنُوًّا أُجْبِرَتْ عَلَى الدُّخُولِ وَكُلُّ امْرَأَةٍ تَحْتَمِلُ أَنْ تُجَامَعَ قَالَ فَإِنْ كَانَتْ مَعَ هَذَا مُضْنَاةً مِنْ مَرَضٍ لاَ يُجَامَعُ مِثْلُهَا أُمْهِلَتْ حَتَّى تَصِيرَ إلَى الْحَالِ الَّتِي يُجَامَعُ مِثْلُهَا ثُمَّ تُجْبَرُ عَلَى الدُّخُولِ وَمَتَى أَمْهَلْتهَا بِالدُّخُولِ لَمْ أُجْبِرْهُ عَلَى دَفْعِ الصَّدَاقِ قَالَ وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فَأَصَابَهَا فَأَفْضَاهَا ثُمَّ لَمْ يَلْتَئِمْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دِيَتُهَا كَامِلَةً وَهِيَ امْرَأَتُهُ بِحَالِهَا وَلَهَا الْمَهْرُ تَامًّا وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ أَنْ يُصِيبَهَا فِي الْفَرْجِ حَتَّى تَبْرَأَ الْبُرْءَ الَّذِي إذَا عَادَ لِإِصَابَتِهَا لَمْ يَنْكَأْهَا وَلَمْ يَزِدْ فِي جُرْحِهَا ثُمَّ عَلَيْهَا إنْ بَرِئَتْ أَنْ تُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهَا مَا زَعَمَتْ أَنَّ الْعِلَّةَ قَائِمَةٌ فَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ فَكَانَ النِّسَاءُ يُدْرِكْنَ عِلْمَهُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا قَدْ بَرِئَتْ وَإِنَّ الْإِصَابَةَ لاَ تَضُرُّهَا أُجْبِرَتْ عَلَى التَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إصَابَتِهَا قَالَ وَإِنْ صَارَتْ إلَى حَالٍ لاَ يُجَامَعُ مَنْ صَارَ إلَيْهَا أَخَذَتْ صَدَاقَهَا وَدِيَتَهَا وَقِيلَ هِيَ امْرَأَتُك فَإِنْ شِئْت فَطَلِّقْ وَإِنْ شِئْت فَأَمْسِكْ وَاجْتَنِبْهَا إذَا كَانَ مِثْلُهَا لاَ يُجَامَعُ‏.‏

اخْتِلاَفُ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ إذَا اخْتَلَفَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ الَّذِي هُمَا فِيهِ سَاكِنَانِ وَقَدْ افْتَرَقَا أَوْ لَمْ يَفْتَرِقَا أَوْ مَاتَا أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهُمَا أَوْ وَرَثَةُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَالْمَتَاعُ إذَا كَانَا سَاكِنِي الْبَيْتِ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي أَيْدِيَهُمَا كَمَا تَكُونُ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ عَلَى دَعْوَاهُ فَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا فَالْمَتَاعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَمْلِكُ مَتَاعَ النِّسَاءِ بِالشِّرَاءِ وَالْمِيرَاثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ قَدْ تَمْلِكُ مَتَاعَ الرِّجَالِ بِالشِّرَاءِ وَالْمِيرَاثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ هَذَا مُمْكِنًا وَكَانَ الْمَتَاعُ فِي أَيْدِيهِمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ إلَّا بِهَذَا لِكَيْنُونَةِ الشَّيْءِ فِي أَيْدِيهِمَا وَقَدْ اسْتَحَلَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه فَاطِمَةَ بِبَدَنٍ مِنْ حَدِيدٍ‏.‏ وَهَذَا مِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ وَقَدْ كَانَتْ فَاطِمَةُ فِي تِلْكَ الْحَالِ مَالِكَةً لِلْبَدَنِ دُونَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه وَقَدْ رَأَيْت امْرَأَةً بَيْنِي وَبَيْنَهَا ضَبَّةُ سَيْفٍ اسْتَفَادَتْهُ مِنْ مِيرَاثِ أَبِيهَا بِمَالٍ عَظِيمٍ وَدِرْعٍ وَمُصْحَفٍ فَكَانَ لَهَا دُونَ إخْوَتِهَا وَرَأَيْت مَنْ وَرِثَ أُمَّهُ وَأُخْتَه فَاسْتَحْيَا مِنْ بَيْعِ مَتَاعِهِمَا فَصَارَ مَالِكًا لِمَتَاعِ النِّسَاءِ فَإِذَا كَانَ هَذَا مَوْجُودًا فَلاَ يَجُوزُ فِيهِ غَيْرُ مَا وَصَفْت وَلَوْ أَنَّا كُنَّا إنَّمَا نَقْضِي بِالظُّنُونِ بِقَدْرِ مَا يَرَى الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مَالِكَيْنِ فَوَجَدْنَا مَتَاعًا فِي يَدَيْ رِجْلَيْنِ يَتَدَاعَيَانِهِ فَكَانَ فِي الْمَتَاعِ يَاقُوتٌ وَلُؤْلُؤٌ وَعِلْيَةٌ مِنْ عِلْيَةِ الْمَتَاعِ وَأَحَدُ الرَّجُلَيْنِ مِمَّنْ يَمْلِكُ مِثْلَ ذَلِكَ الْمَتَاعِ وَالْآخَرُ لَيْسَ الْأَغْلَبُ مِنْ مِثْلِهِ أَنَّهُ يَمْلِكُ مِثْلَ ذَلِكَ الْمَتَاعِ جَعَلْنَا عِلْيَةَ الْمَتَاعِ لِلْمُوسِرِ الَّذِي هُوَ أَوَّلاَهُمَا فِي الظَّاهِرِ بِمُلْكِ مِثْلِهِ وَجَعَلْنَا سَفَلَةَ الْمَتَاعِ إنْ كَانَ فِي يَدَيْ مُوسِرٍ وَمُعْسِرٍ لِلْمُعْسِرِ دُونَ الْمُوسِرِ فَخَالَفْنَا مَا اُجْتُمِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فِي غَيْرِ هَذَا مِنْ أَنَّ الدَّارَ إذَا كَانَتْ فِي يَدَيْ رَجُلَيْنِ فَتَدَاعَيَاهَا جُعِلَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَمْ يُنْظَرْ إلَى أَشْبَهِهِمَا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِلْكُ تِلْكَ الدَّارِ فَنُعْطِيَهُ إيَّاهَا وَهَذَا الْعَدْلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْإِجْمَاعُ وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَتَاعُ الْبَيْتِ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَكُونُ فِي يَدَيْ اثْنَيْنِ لاَ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ بِالْقِيَاسِ الْأَصْلَ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ ذَلِكَ سُنَّةٌ أَوْ إجْمَاعٌ وَيُقَالُ لِمَنْ يَقُولُ اجْعَلْ مَتَاعَ النِّسَاءِ لِلنِّسَاءِ وَمَتَاعَ الرِّجَالِ لِلرِّجَالِ أَرَأَيْت دَبَّاغًا وَعَطَّارًا كَانَا فِي حَانُوتٍ فِيهِ عِطْرٌ وَدِبَاغٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي الْعِطْرَ وَالدِّبَاغَ أَيَلْزَمُك أَنْ تُعْطِيَ الْعَطَّارَ الْعِطْرَ وَالدَّبَّاغَ الدِّبَاغَ‏؟‏ فَإِنْ قُلْت إنِّي أَقْسِمُهُ بَيْنَهُمَا قِيلَ لَك فَلِمَ لاَ تَقْسِمُ الْمَتَاعَ الَّذِي يُشْبِهُ النِّسَاءَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَتَاعُ الَّذِي يُشْبِهُ الرِّجَالَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِثْلُ الدَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ‏؟‏

الِاسْتِبْرَاءُ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَصْلُ الِاسْتِبْرَاءِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَامَ سَبْيِ أَوْطَاسٍ أَنْ تُوطَأَ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ أَوْ تُوطَأَ حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ» وَفِي هَذَا دَلاَلاَتٌ مِنْهَا أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَمَةً لَمْ يَطَأْهَا إلَّا بِاسْتِبْرَاءٍ كَانَتْ عِنْدَ ثِقَةٍ أَوْ غَيْرِ ثِقَةٍ أَوْ تُوطَأَ أَوْ لاَ تُوطَأَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً وَلاَ نَشُكُّ أَنَّ فِيهِنَّ أَبْكَارًا وَحَرَائِرَ كُنَّ قَبْلَ أَنْ يستأمين وَإِمَاءً وَضِيعَاتٍ وَشَرِيفَاتٍ وَكَانَ الْأَمْرُ فِيهِنَّ كُلِّهِنَّ وَالنَّهْيُ وَاحِدٌ وَفِي مِثْلِ مَعْنَى هَذَا أَنَّ كُلَّ مِلْكٍ اسْتَحْدَثَهُ الْمَالِكُ لَمْ يَجُزْ فِيهِ الْوَطْءُ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّ الْفَرْجَ كَانَ مَمْنُوعًا قَبْلَ الْمِلْكِ فَإِذَا صَارَ مُبَاحًا بِالْمِلْكِ كَانَ عَلَى الْمَالِكِ فِيهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهُ وَفِي هَذَا الْمَعْنَى عَلَى كُلِّ مِلْكٍ تَحَوَّلَ لِأَنَّ الْمَالِكَ الثَّانِيَ مِثْلُ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ وَقَدْ كَانَ الْفَرْجُ مَمْنُوعًا مِنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا حَدَثَ لَهُ وَكَانَ حَلاَلاً لَهُ بَعْدَ مَا مَلَكَهُ فَلَوْ ابْتَاعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً وَقَبَضَهَا مِنْهُ وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ الْبَائِعُ أَوْ اسْتَقَالَهُ مِنْهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا أَوْ كَانَتْ مُشْتَرِيَتُهَا امْرَأَةً ثِقَةً أُمٌّ لَهُ أَوْ بِنْتٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْفَرْجَ قَدْ كَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ ثُمَّ حَلَّ لَهُ بَعْدَ الْمِلْكِ الثَّانِي وَمَتَى حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ الْوَطْءِ اسْتِبْرَاءً لاَ بُدَّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ عِنْدَ امْرَأَةٍ مُحْصَنَةٍ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ إنَّمَا هُوَ مِنْ حِينِ يَحِلُّ الْفَرْجُ بِالْمِلْكِ وَالِاسْتِبْرَاءُ أَنْ تَمْكُثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي طَاهِرًا مَا كَانَ الْمُكْثُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَسْتَكْمِلَ فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْهَا فَهُوَ اسْتِبْرَاؤُهَا وَيَكُونُ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا حَاضَتْ الْحَيْضَ الَّذِي تَعْرِفُهُ فَإِنْ حَاضَتْ عَلَى خِلاَفِ مَا تَعْرِفُ فِي الزِّيَادَةِ فِي الْحَيْضِ فَهُوَ اسْتِبْرَاءٌ لِأَنَّهَا قَدْ جَاءَتْ بِمَا تَعْرِفُ وَزَادَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ حَاضَتْ أَقَلَّ مِنْ أَيَّامِ حَيْضِهَا أَوْ بِدَمٍ أَرَقَّ أَوْ أَقَلَّ مِنْ دَمِهَا أَوْ وَجَدَتْ شَيْئًا تُنْكِرُهُ فِي بَطْنٍ أَوْ دَلاَلَةَ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْحَمْلِ أَمْسَكَتْ وَأَمْسَكَ عَنْ إصَابَتِهَا حَتَّى يُسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الرِّيبَةَ لَمْ تَكُنْ حَمْلاً إمَّا بِذَهَابِ ذَلِكَ الَّذِي تَجِدُ وَحَيْضَةٍ بَعْدَهُ مِثْلَ الْحَيْضِ الَّذِي كَانَتْ تَعْرِفُ وَإِمَّا بِزَمَانٍ يَمُرُّ عَلَيْهَا يَعْرِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ النِّسَاءِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَامِلاً كَانَتْ تَلِدُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ فَإِذَا أَتَى ذَلِكَ عَلَيْهَا اُسْتُدِلَّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الرِّيبَةَ مِنْ مَرَضٍ لاَ مِنْ حَمْلٍ وَحَلَّ وَطْؤُهَا‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَائِلِ‏:‏ حَتَّى تَحِيضَ» وَهَذِهِ الْحَائِلُ قَدْ حَاضَتْ‏؟‏ قِيلَ فَمَعْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَرَادَ الِاسْتِبْرَاءَ بِالْحَيْضِ وَالِاسْتِبْرَاءَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ أَوْ الْحَيْضِ إنَّمَا يَكُونُ اسْتِبْرَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ رِيبَةٌ فَإِذَا كَانَتْ مَعَهُ رِيبَةٌ بِحَمْلٍ فَاسْتِبْرَاءٌ بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ الْعِدَّةَ ثَلاَثَ حِيَضٍ وَثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأُولاَتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ‏}‏ فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْحَمْلِ غَايَةُ الِاسْتِبْرَاءِ وَأَنَّهُ مُسْقِطٌ لِجَمِيعِ الْعِدَدِ وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا خَالَفَ فِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ لَوْ حَاضَتْ ثَلاَثَ حَيْضٍ وَذَكَرَتْ أَنَّهَا حَامِلٌ لَمْ تَحِلَّ بِهَا وَلاَ تَحِلُّ إلَّا بِوَضْعِ الْحَمْلِ أَوْ الْبَرَاءَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَمْلاً وَهَكَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الْمُرْتَابَةُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّهَا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى‏.‏

وَلَوْ حَاضَتْ حَيْضَةً وَهِيَ غَيْرُ مُرْتَابَةٍ ثُمَّ حَدَثَتْ لَهَا رِيبَةٌ ثَانِيَةٌ بَعْدَ طُهْرِهَا وَقَبْلَ مَسِيسِ سَيِّدِهَا أَمْسَكَ عَنْ إصَابَتِهَا حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا مِنْ تِلْكَ الرِّيبَةِ ثُمَّ أَصَابَهَا إذَا بَرِئَتْ مِنْهَا وَإِذَا مُلِكَتْ الْأَمَةُ بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ أَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ لَمْ تُوطَأْ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ لِمَا وَصَفْت وَإِذَا كَانَتْ تُسْتَبْرَأُ لَمْ يَجُزْ لِمَالِكِهَا أَنْ يَتَلَذَّذَ مِنْهَا بِمُبَاشَرَةٍ وَلاَ قُبْلَةٍ وَلاَ جَسٍّ وَلاَ تَجْرِيدٍ وَلاَ بِنَظَرِ شَهْوَةٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ بِهَا حَمْلٌ مِنْ بَائِعهَا فَيَكُونُ قَدْ نَظَرَ مُتَلَذِّذًا أَوْ تَلَذَّذَ بِأَكْثَرَ مِنْ النَّظَرِ مِنْ أُمِّ وَلَدِ غَيْرِهِ وَذَلِكَ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَمَتَى اشْتَرَاهَا فَقَبَضَهَا ثُمَّ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَرِئَتْ وَحَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلاَ يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ إلَّا بِوَضْعِ جَمِيعِ حَمْلِهَا إذَا كَانَ حَمْلُهَا مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا وَغَيْرِ زَوْجٍ إلَّا زَوْجًا قَدْ طَلَّقَ أَوْ مَاتَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَهَا فَأَقَامَتْ سَاعَةً ثُمَّ حَاضَتْ وَطَهُرَتْ حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ‏.‏

وَلَوْ اشْتَرَاهَا فَلَمْ يَقْبِضْهَا وَلَمْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى وَضَعَتْ فِي يَدَيْ الْبَائِعِ ثُمَّ قَبَضَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ نِفَاسِهَا ثُمَّ تَحِيضَ فِي يَدَيْهِ حَيْضَةً مُسْتَقْبَلَةً مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا تَمَّ لَهُ حِينَ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ فِيهِ خِيَارٌ بِأَنْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مُقَامِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ‏.‏

وَلَوْ اشْتَرَاهَا وَشَرَطَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَلَيْهِ ثَلاَثًا وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَحَاضَتْ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ وَيَبْطُلَ شَرْطُهُ فِي الْخِيَارِ أَوْ تَمْضِيَ ثَلاَثُ الْخِيَارِ لَمْ يَطَأْهَا بِهَذِهِ الْحَيْضَةِ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْهَا ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى‏.‏

وَلَوْ اشْتَرَاهَا وَقَبَضَهَا وَشَرَطَ لِنَفْسِهِ الْخِيَارَ ثَلاَثًا ثُمَّ حَاضَتْ قَبْلَ الثَّلاَثِ ثُمَّ اخْتَارَ الْبَيْعَ كَانَتْ تِلْكَ الْحَيْضَةُ اسْتِبْرَاءً لِأَنَّهُ تَامُّ الْمِلْكِ فِيهَا قَابِضٌ لَهَا لَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ كَاتَبَهَا أَوْ وَهَبَهَا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا وَلَوْ أَرَادَ الْبَائِعُ ذَلِكَ فِيهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهَا تَامٌّ‏.‏

وَلَوْ بَيْعُ جَارِيَةٍ مَعِيبَةٍ دَلَّسَ لَهُ فِيهَا بِعَيْبٍ وَظَهَرَ عَلَى الْعَيْبِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فَاخْتَارَ أَنْ يُمْسِكَهَا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ تَامٌّ إلَّا أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ بِالْعَيْبِ إنْ شَاءَ رَدَّ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ مَاتَتْ فِي هَذِهِ الْحَالِ مَاتَتْ مِنْهُ‏.‏

وَلِلرَّجُلِ إذَا اشْتَرَى الْجَارِيَةَ أَيَّ جَارِيَةٍ مَا كَانَتْ أَنْ لاَ يَدْفَعَ عَنْهَا وَأَنْ يُقْبِضَهُ إيَّاهَا بَائِعُهَا وَلَيْسَ لِبَائِعِهَا مَنْعُهُ إيَّاهَا لِيَسْتَبْرِئَهَا عِنْدَ نَفْسِهِ وَلاَ عِنْدَ غَيْرِهِ وَلاَ مُوَاضَعَتِهِ إيَّاهَا عَلَى يَدَيْ أَحَدٍ لِيَسْتَبْرِئَهَا بِحَالٍ وَلاَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ عَنْهُ ثَمَنَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا هُوَ وَلاَ غَيْرُهُ وَلاَ يَضَعُهَا عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ فَيَسْتَبْرِئَهَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ فِي ذَلِكَ غَرِيبًا يَخْرُجُ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ مُقِيمًا أَوْ مُعْدِمًا أَوْ مَلِيئًا أَوْ صَالِحًا أَوْ رَجُلَ سَوْءٍ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِحَمِيلٍ بِعُهْدَةٍ وَلاَ بِوَجْهٍ وَلاَ ثَمَنِ وَمَالِهِ حَيْثُ وَضَعَهُ وَإِنَّمَا التَّحَفُّظُ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَإِذَا جَازَ الشِّرَاءُ أَلْزَمْنَاهُ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ مِنْ الْحَقِّ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً أَوْ شَيْئًا وَهُوَ غَرِيبٌ أَوْ أَهْلٌ فَقَالَ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مَسْرُوقًا أَوْ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدٌ مِنْ الْعَبْدَيْنِ حُرًّا كَانَ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ مَالُهُ حَيْثُ وَضَعَهُ‏.‏

وَلَوْ أَعْطَيْنَاهُ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ كَفِيلاً أَوْ يَحْبِسَ لَهُ الْبَائِعُ عَنْ سَفَرِهِ أَعْطَيْنَاهُ ذَلِكَ فِي خَوْفِ أَنْ يَكُونَ مَسْرُوقًا أَوْ مَعِيبًا عَيْبًا خَافِيًا مِنْ سَرِقَةٍ أَوْ إبَاقٍ ثُمَّ لَمْ نَجْعَلْ لِهَذَا غَايَةً أَبَدًا لِأَنَّهُ قَدْ لاَ يُعْلَمُ ذَلِكَ فِي الْقَرِيبِ وَيُعْلَمُ فِي الْبَعِيدِ وَبُيُوعُ الْمُسْلِمِينَ الْجَائِزَةُ بَيْنَهُمْ وَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِي إذَا سَلَّمَ هَذَا سِلْعَتَهُ أَنْ يَكُونَ قَابِضًا لِثَمَنِهَا وَأَنْ لاَ يَكُونَ الثَّمَنُ الَّذِي هُوَ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ وَلاَ السِّلْعَةُ مَحْبُوسِينَ إذَا سَلَّمَ الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَلاَ يَكُونُ الْمُشْتَرِي مِنْ جَارِيَةٍ وَلاَ غَيْرِهَا مَحْبُوسًا عَنْ مَالِكِهَا وَلَوْ جَازَ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ جَارِيَةً أَنْ تُوضَعَ عَلَى يَدَيْ مَنْ يَسْتَبْرِئُهَا كَانَ فِي هَذَا خِلاَفُ بُيُوعِ الْمُسْلِمِينَ وَالسُّنَّةِ وَظُلْمُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا لاَ تَعْدُو أَنْ تَكُونَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ أَوْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ الْحَادِثِ فَلاَ يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى إخْرَاجِ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ لاَ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ إلَّا بِأَنْ تَحِيضَ الْجَارِيَةُ حَيْضَةً وَتَطْهُرَ مِنْهَا كَانَ هَذَا فَاسِدًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُ نَهَوْا أَنْ تَكُونَ الْأَثْمَانُ الْمُسْتَأْخِرَةُ إلَّا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَهَذَا إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ قَدْ تَكُونُ بَعْدَ صَفْقَةِ الْبَيْعِ فِي خَمْسٍ وَفِي شَهْرٍ وَأَكْثَرَ وَأَقَلَّ وَكَانَ فَاسِدًا مَعَ فَسَادِهِ مِنْ الثَّمَنِ مِنْ السِّلْعَةِ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ لاَ مُشْتَرَاةً إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ بِصِفَةٍ فَتَكُونُ تُوجَدُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَيُؤْخَذُ بِهَا بَائِعُهَا وَلاَ مُشْتَرَاةً بِغَيْرِ تَسَلُّطِ مُشْتَرِيهَا عَلَى قَبْضِهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا وَهَذَا لاَ بَيْعَ أَجَلٍ بِصِفَةٍ وَلاَ عَيْنٍ بِعَيْنِهِ يُقْبَضُ وَخَارِجٌ مِنْ بُيُوعِ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَبَايَعَا جَارِيَةً وَتَشَارَطَا فِي عَقَدَ الْبَيْعِ أَنْ لاَ يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى تُسْتَبْرَأَ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا‏.‏

وَلاَ يَجُوزُ بِحَالٍ مِنْ قِبَلِ مَا وَصَفْت وَلَوْ اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ شَرْطٍ كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا وَكَانَ لِلْمُشْتَرِي قَبْضُهَا وَاسْتِبْرَاؤُهَا عِنْدَ نَفْسِهِ أَوْ عِنْدَ مَنْ شَاءَ‏.‏

وَإِذَا قَبَضَهَا فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تُسْتَبْرَأَ فَإِنْ مَاتَتْ عِنْدَهُ بَعْدَ مَا ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَتَصَادَقَا عَلَى ذَلِكَ كَانَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَامِلاً وَغَيْرَ حَامِلٍ‏.‏

وَلَوْ اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ شَرْطٍ فَتَرَاضَيَا أَنْ يَتَوَاضَعَاهَا عَلَى يَدَيْ مَنْ يَسْتَبْرِئُهَا فَمَاتَتْ أَوْ عَمِيَتْ عِنْدَ الْمُسْتَبْرِئِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَبَضَهَا ثُمَّ رَضِيَ بَعْدَ قَبْضِهَا بِمُوَاضَعَتِهَا فَهِيَ مِنْ مَالِهِ وَإِنَّمَا هِيَ جَارِيَةٌ قَدْ قَبَضَهَا ثُمَّ أَوْدَعَهَا غَيْرَهُ فَمَوْتُهَا فِي يَدَيْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ هُوَ وَضَعَهَا كَمَوْتِهَا فِي يَدَيْهِ‏.‏

وَلَوْ كَانَ اشْتَرَاهَا فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى تَوَاضَعَاهَا بِرِضًا مِنْهُمَا عَلَى يَدَيْ مِنْ يَسْتَبْرِئُهَا فَمَاتَتْ أَوْ عَمِيَتْ مَاتَتْ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ بَاعَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ مِنْهُ مُشْتَرِيه وَإِذَا عَمِيَتْ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي أَنْتَ بِالْخِيَارِ إنْ شِئْت فَخُذْهَا مَعِيبَةً بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لاَ يُوضَعُ عَنْك لِلْعَيْبِ شَيْءٌ كَمَا لَوْ عَمِيَتْ فِي يَدَيْ الْبَائِعِ بَعْدَ صَفْقَةِ الْبَيْعِ وَقَبْلَ قَبْضِهَا كُنْت بِالْخِيَارِ فِي تَرْكِهَا أَوْ أَخْذِهَا وَإِنْ شِئْت فَاتْرُكْهَا بِالْعَيْبِ وَكُلُّ مَا زَعَمْنَا أَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ جَائِزٌ فَعَلَى الْمُشْتَرِي مَتَى طَلَبَ الْبَائِعُ مِنْهُ الثَّمَنَ وَسَلَّمَ إلَيْهِ السِّلْعَةَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَيَكُونَ إلَى أَجَلِهِ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ أَوْ مَا اشْتَرَى مِنْ السِّلَعِ فَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى أَجَلٍ وَقَالَ الْبَائِعُ لاَ أُسَلِّمُ إلَيْك السِّلْعَةَ حَتَّى تَدْفَعَ إلَيَّ الثَّمَنَ وَقَالَ الْمُشْتَرِي لاَ أَدْفَعُ إلَيْك الثَّمَنَ حَتَّى تُسَلِّمَ إلَيَّ السِّلْعَةَ فَإِنَّ بَعْضَ الْمَشْرِقِيِّينَ قَالَ يُجْبِرُ الْقَاضِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَائِعَ عَلَى أَنْ يُحْضِرَ السِّلْعَةَ وَالْمُشْتَرِيَ عَلَى أَنْ يُحْضِرَ الثَّمَنَ ثُمَّ يُسَلِّمُ السِّلْعَةَ إلَى الْمُشْتَرِي وَالثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ لاَ يُبَالِي بِأَيِّهِمَا بَدَأَ إذَا كَانَ ذَلِكَ حَاضِرًا وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْهُمْ لاَ أُجْبِرُ وَاحِدًا مِنْهُمَا عَلَى إحْضَارِ شَيْءٍ وَلَكِنْ أَقُولُ أَيَّكُمَا شَاءَ أَنْ أَقْضِيَ لَهُ بِحَقِّهِ عَلَى صَاحِبِهِ فَلْيَدْفَعْ إلَيَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْكُمَا دَفْعُ مَا عَلَيْهِ إلَّا بِقَبْضِ مَالِهِ وَقَالَ آخَرُونَ أَنْصِبُ لَهُمَا عَدْلاً فَأُجْبِرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الدَّفْعِ إلَى الْعَدْلِ فَإِذَا صَارَ الثَّمَنُ وَالسِّلْعَةُ فِي يَدَيْهِ أَمَرْنَاهُ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ وَالسِّلْعَةَ إلَى الْمُشْتَرِي‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ فِيهَا إلَّا الْقَوْلُ الثَّانِي مِنْ أَنْ لاَ يُجْبَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يُجْبَرَ الْبَائِعُ عَلَى دَفْعِ السِّلْعَةِ إلَى الْمُشْتَرِي بِحَضْرَتِهِ ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَجْبَرَهُ عَلَى دَفْعِهِ مِنْ سَاعَتِهِ وَإِنْ غَابَ مَالُهُ وُقِفَتْ السِّلْعَةُ وَأَشْهَدَ عَلَى أَنَّهُ وَقَفَهَا لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ وَجَدَ لَهُ مَالاً دَفَعَهُ إلَى الْبَائِعِ وَأَشْهَدَ عَلَى إطْلاَقِ الْوَقْفِ عَنْ الْجَارِيَةِ وَدَفَعَ الْمَالَ إلَى الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَالسِّلْعَةُ عَيْنُ مَالِ الْبَائِعِ وَجَدَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنَّمَا أَشْهَدْنَا عَلَى الْوَقْفِ لِأَنَّهُ إنْ أَحْدَثَ بَعْدَ إشْهَادِنَا عَلَى وَقْفِ مَالِهِ فِي مَالِهِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي حَكَيْنَا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ عِنْدَنَا غَيْرُهُ أَوْ هَذَا الْقَوْلُ وَأَخَذْنَا بِهَذَا الْقَوْلِ دُونَهُ لِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ يُقِرُّ بِأَنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ إلَى مَالِك ثُمَّ يَكُونُ لَهُ حَبْسُهَا وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَبْسُهَا وَقَدْ أَعْلَمَنَا أَنَّ مِلْكَهَا لِغَيْرِهِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ ثَمَنًا وَمَالُهُ حَاضِرٌ وَلاَ نَأْخُذُهُ مِنْهُ وَلاَ يَجُوزُ لِرَبِّ الْجَارِيَةِ أَنْ يَطَأَهَا وَلاَ يَبِيعَهَا وَلاَ يُعْتِقَهَا وَقَدْ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَلاَ يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَدَعَ النَّاسَ يَتَدَافَعُونَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُمْ‏.‏

وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ أَمَةٌ فَزَوَّجَهَا أَوْ اشْتَرَاهَا ذَاتَ زَوْجٍ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَرَادَ سَيِّدُهَا إصَابَتَهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَمْ أَرَ ذَلِكَ لَهُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ بَعْدَ مَا حَلَّ فَرْجُهَا لَهُ لِأَنَّ الْفَرْجَ كَانَ حَلاَلاً لِغَيْرِهِ مَمْنُوعًا مِنْهُ وَالِاسْتِبْرَاءُ بِسَبَبِ غَيْرِهِ لاَ بِسَبَبِهِ أَلاَ تَرَى أَنَّ رَجُلاً لَوْ أَرَادَ بَيْعَ أَمَتِهِ فَاسْتَبْرَأَهَا عِنْدَ أُمِّ رَجُلٍ أَوْ بِنْتِهِ بِحَيْضَةٍ أَوْ حِيَضٍ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصِيبَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَمَا أُبِيحَ لَهُ فَرْجُهَا وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ أَمَةٌ فَكَاتَبَهَا فَعَجَزَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ مَمْنُوعَةَ الْفَرْجِ مِنْهُ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ فَرْجُهَا بَعْدَ الْعَجْزِ فَهِيَ تُجَامَعُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَالْمُتَزَوِّجَةِ وَتُفَارِقُهَا فِي أَنَّ فَرْجَهَا لَمْ يَكُنْ مُبَاحًا لِغَيْرِهِ وَالِاحْتِيَاطُ تَرْكُهَا‏.‏

وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَحَاضَتْ فَأَذِنَ لَهَا بِأَنْ تَصُومَ فَصَامَتْ أَوْ تَحُجَّ فَحَجَّتْ وَاجِبًا عَلَيْهَا فَكَانَتْ مَمْنُوعَةَ الْفَرْجِ فِي نَهَارِ الصَّوْمِ وَمُدَّةِ الْإِحْرَامِ وَالْحَيْضِ ثُمَّ خَرَجَتْ مِنْ الْإِحْرَامِ وَالصَّوْمِ وَالْحَيْضِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْجِهَا بِعَارِضٍ فِيهَا كَمَا يَكُونُ الْعَارِضُ فِيهِ مِنْ الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ لاَ أَنَّهُ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَرْجِ كَمَا حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مُتَزَوِّجَةً وَمُكَاتَبَةً فَكَانَ لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَلْمِسَهَا وَلاَ يُقَبِّلَهَا وَلاَ يَنْظُرَ إلَيْهَا بِشَهْوَةٍ فَحَالُهَا هَذِهِ مُخَالِفَةٌ لِحَالِهَا الْأُولَى وَتَجْتَمِعُ الْمُسْتَبْرَأَةُ وَالْمُعْتَدَّةُ وَتَخْتَلِفَانِ فَأَمَّا مَا تَجْتَمِعَانِ فِيهِ فَإِنَّ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَالْعِدَّةِ مَعْنًى وَتَعَبُّدًا فَأَمَّا الْمَعْنَى فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا كَانَتْ بَرَاءَةً فِي الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَمَّا التَّعَبُّدُ فَقَدْ تَعْلَمُ بَرَاءَتَهَا بِأَنْ تَكُونَ صَبِيَّةً لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَمَدْخُولٌ بِهَا فَتَحِيضُ حَيْضَةً فَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ كَمَا تَعْتَدُّهَا الْبَالِغَةُ الْمَدْخُولُ بِهَا وَلاَ تُبْرِئُهَا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْعِدَّةُ إلَّا لِلْبَرَاءَةِ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ بَرِيئَةً وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ الْبَالِغُ وَغَيْرُ الْبَالِغِ تُشْتَرَى مِنْ الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ الْمُحْصَنَةِ لَهَا وَمِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ الْكَبِيرِ قَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ فَرْجُهَا بِرَضَاعٍ فَلاَ يَكُونُ لِمَنْ اشْتَرَاهَا أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا‏.‏

وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَحَاضَتْ فَأَذِنَ لَهَا بِأَنْ تَصُومَ فَصَامَتْ أَوْ تَحُجَّ فَحَجَّتْ وَاجِبًا عَلَيْهَا فَكَانَتْ مَمْنُوعَةَ الْفَرْجِ فِي نَهَارِ الصَّوْمِ وَمُدَّةِ الْإِحْرَامِ وَالْحَيْضِ ثُمَّ خَرَجَتْ مِنْ الْإِحْرَامِ وَالصَّوْمِ وَالْحَيْضِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْجِهَا بِعَارِضٍ فِيهَا كَمَا يَكُونُ الْعَارِضُ فِيهِ مِنْ الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ لاَ أَنَّهُ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَرْجِ كَمَا حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مُتَزَوِّجَةً وَمُكَاتَبَةً فَكَانَ لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَلْمِسَهَا وَلاَ يُقَبِّلَهَا وَلاَ يَنْظُرَ إلَيْهَا بِشَهْوَةٍ فَحَالُهَا هَذِهِ مُخَالِفَةٌ لِحَالِهَا الْأُولَى وَتَجْتَمِعُ الْمُسْتَبْرَأَةُ وَالْمُعْتَدَّةُ وَتَخْتَلِفَانِ فَأَمَّا مَا تَجْتَمِعَانِ فِيهِ فَإِنَّ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَالْعِدَّةِ مَعْنًى وَتَعَبُّدًا فَأَمَّا الْمَعْنَى فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا كَانَتْ بَرَاءَةً فِي الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَمَّا التَّعَبُّدُ فَقَدْ تَعْلَمُ بَرَاءَتَهَا بِأَنْ تَكُونَ صَبِيَّةً لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَمَدْخُولٌ بِهَا فَتَحِيضُ حَيْضَةً فَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ كَمَا تَعْتَدُّهَا الْبَالِغَةُ الْمَدْخُولُ بِهَا وَلاَ تُبْرِئُهَا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْعِدَّةُ إلَّا لِلْبَرَاءَةِ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ بَرِيئَةً وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ الْبَالِغُ وَغَيْرُ الْبَالِغِ تُشْتَرَى مِنْ الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ الْمُحْصَنَةِ لَهَا وَمِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ الْكَبِيرِ قَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ فَرْجُهَا بِرَضَاعٍ فَلاَ يَكُونُ لِمَنْ اشْتَرَاهَا أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا‏.‏

وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ مُودِعٌ أَمَةً يَسْتَبْرِئُهَا بِحَيْضَةٍ عِنْدَهُ قَدْ حَاضَتْ فِي يَدَيْ نِسَائِهِ حَيْضًا كَثِيرًا ثُمَّ مَلَكَهَا وَلَمْ تُفَارِقْ تَحْصِينَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ أَيَّ مِلْكٍ مَا كَانَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا وَأُحِبُّ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَطَأُ أَمَةً أَنْ لاَ يُرْسِلَهَا وَأَنْ يُحْصِنَهَا وَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُحَرِّمْهَا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَكَانَتْ فِيمَا يَحِلُّ لَهُ مِنْهَا مِثْلَ الْمُحْصَنَةِ، أَلاَ تَرَى أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه يَقُولُ مَا بَال رِجَالٍ يَطَئُونَ وَلاَئِدَهُمْ ثُمَّ يُرْسِلُونَهُنَّ فَيُخْبِرُ أَنَّهُ تَلْحَقُ الْأَوْلاَدُ بِهِمْ وَإِنْ أَرْسَلُوهُنَّ وَلاَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْوَطْءُ مَعَ الْإِرْسَالِ‏.‏

وَلَوْ ابْتَاعَ رَجُلٌ جَارِيَةً فَاسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَادَّعَى أَنَّهَا لَهُ وَجَاءَ عَلَيْهَا بِشَاهِدٍ فَوَقَفَ الْمُشْتَرِي عَنْهَا ثُمَّ أَبْطَلَ الْحَاكِمُ الشَّاهِدَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَ مَا فُسِخَ عَنْهُ وَقْفُهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ عَلَى الْمِلْكِ الْأَوَّلِ لَمْ تُسْتَحَقَّ وَلَوْ اسْتَحَقَّهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا الْأَوَّلُ وَهِيَ فِي بَيْتِهِ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهَا عَلَيْهِ غَيْرُهُ‏.‏

وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاسْتَخْلَصَهَا أَحَدُهُمَا وَكَانَتْ فِي بَيْتِهِ لَمْ يَطَأْهَا مِنْ حِينِ حَلَّ لَهُ فَرْجُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا وَلاَ تَكُونُ الْبَرَاءَةُ إلَّا بِأَنْ يَمْلِكَهَا طَاهِرًا ثُمَّ تَحِيضَ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ طَاهِرًا فِي مِلْكِهِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا سَاعَةَ دَخَلَتْ فِي الدَّمِ لَمْ يَكُنْ هَذَا بَرَاءَةً وَأَوَّلُ الدَّمِ وَآخِرُهُ سَوَاءٌ كَمَا يَكُونُ هَذَا فِي الْعِدَّةِ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ الْأَقْرَاءُ عَيْنُ الْحَيْضِ‏.‏

وَلَوْ طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَوَّلَ مَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ لَمْ يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ وَلاَ يَعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ إلَّا حَيْضَةً تَقَدَّمَهَا طُهْرٌ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لِمَ زَعَمْت أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ طُهْرٌ ثُمَّ حَيْضَةٌ وَزَعَمْت فِي الْعِدَّةِ أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ‏؟‏ قُلْنَا لَهُ بِتَفْرِيقِ الْكِتَابِ ثُمَّ السُّنَّةِ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ‏}‏ وَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ «لِقَوْلِهِ فِي ابْنِ عُمَرَ يُطَلِّقُهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» فَأَمَرْنَاهَا أَنْ تَأْتِيَ بِثَلاَثَةِ أَطْهَارٌ فَكَانَ الْحَيْضُ فِيهَا فَاصِلاً بَيْنَهُمَا حَتَّى يُسَمَّى كُلُّ طُهْرٍ مِنْهَا غَيْرَ الطُّهْرِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَيْضٌ كَانَ طُهْرًا وَاحِدًا وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِمَاءِ أَنْ يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ فَكَانَتْ الْحَيْضَةُ الْأُولَى أَمَامَهَا طُهْرٌ كَمَا لاَ يُعَدُّ الطُّهْرُ إلَّا وَأَمَامَهُ حَيْضٌ وَكَانَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» يَقْصِدُ قَصْدَ الْحَيْضِ بِالْبَرَاءَةِ فَأَمَرْنَاهَا أَنْ تَأْتِيَ بِحَيْضٍ كَمَا أَمَرْنَاهَا إذَا قَصَدَ الْأَطْهَارَ أَنْ تَأْتِيَ بِطُهْرٍ كَامِلٍ‏.‏

النَّفَقَةُ عَلَى الْأَقَارِبِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلَّا وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏ وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورُهُنَّ وَائْتَمَرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتَرْضِعُ لَهُ أُخْرَى‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها «أَنَّ هِنْدًا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ لِي إلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ هِنْدًا أُمَّ مُعَاوِيَة جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَأَنَّهُ لاَ يُعْطِينِي وَوَلَدِي إلَّا مَا أَخَذْت مِنْهُ سِرًّا وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ‏؟‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانٌ أَنَّ الْإِجَارَةَ جَائِزَةٌ عَلَى مَا يَعْرِفُ النَّاسَ إذْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}‏ وَالرَّضَاعُ يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ صَبِيٌّ أَكْثَرَ رَضَاعًا مِنْ صَبِيٍّ وَتَكُونُ امْرَأَةٌ أَكْثَرَ لَبَنًا مِنْ امْرَأَةٍ وَيَخْتَلِفُ لَبَنُهَا فَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ فَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ لاَ يُوجَدُ فِيهِ أَقْرَبُ مِمَّا يُحِيطُ الْعِلْمُ بِهِ مِنْ هَذَا فَتَجُوزُ الْإِجَارَاتُ عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ قِيَاسًا عَلَى هَذَا وَتَجُوزُ فِي غَيْرِهِ مِمَّا يَعْرِفُ النَّاسُ قِيَاسًا عَلَى هَذَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبَيَانٌ أَنَّ عَلَى الْوَالِدِ نَفَقَةَ الْوَلَدِ دُونَ أُمِّهِ كَانَتْ أُمُّهُ مُتَزَوِّجَةً أَوْ مُطَلَّقَةً وَفِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَيْسَتْ عَلَى الْمِيرَاثِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمَّ وَارِثَةٌ وَفَرْضُ النَّفَقَةِ وَالرَّضَاعِ عَلَى الْأَبِ دُونَهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ‏}‏ مِنْ أَنْ لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا لاَ أَنَّ عَلَيْهَا الرَّضَاعَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا وَجَبَ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ فِي الْحَالِ الَّتِي لاَ يُغْنِي نَفْسَهُ فِيهَا فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ مِنْهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُضِيعَ شَيْئًا مِنْهُ وَكَذَلِكَ إنْ كَبِرَ الْوَلَدُ زَمَنًا لاَ يُغْنِي نَفْسَهُ وَلاَ عِيَالَهُ وَلاَ حِرْفَةً لَهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْوَالِدُ وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْوَلَدِ لِأَنَّهُمْ وَلَدٌ وَيُؤْخَذُ بِذَلِكَ الْأَجْدَادُ لِأَنَّهُمْ آبَاءٌ وَكَانَتْ نَفَقَةُ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ إذَا صَارَ الْوَالِدُ فِي الْحَالِ الَّتِي لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُغْنِي فِيهَا نَفْسَهُ أَوْجَبُ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الْوَالِدِ وَحَقُّ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ أَعْظَمُ وَكَذَلِكَ الْجَدُّ وَأَبُو الْجَدِّ وَآبَاؤُهُ فَوْقَهُ وَإِنْ بَعُدُوا لِأَنَّهُمْ آبَاءٌ قَالَ وَإِذَا كَانَتْ هِنْدٌ زَوْجَةً لِأَبِي سُفْيَانَ وَكَانَتْ الْقَيِّمَ عَلَى وَلَدِهَا لِصِغَرِهِمْ بِأَمْرِ زَوْجِهَا فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا بِالْمَعْرُوفِ فَمِثْلُهَا الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ الْحَقُّ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ فَيَمْنَعُهُ إيَّاهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ حَيْثُ وَجَدَهُ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَكَذَلِكَ حَقُّ وَلَدِهِ الصِّغَارِ وَحَقُّ مَنْ هُوَ قَيِّمٌ بِمَالِهِ مِمَّنْ تَوَكَّلَهُ أَوْ كَفَلَهُ قَالَ وَإِنْ وَجَدَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ مَالَهُ بِعَيْنِهِ كَانَ لَهُ أَخْذُهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ كَانَ لَهُ أَخْذُ مِثْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ إنْ كَانَ طَعَامًا فَطَعَامُ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ فَدَرَاهِمُ مِثْلُهَا وَإِنْ كَانَ لاَ مِثْلَ لَهُ كَانَتْ لَهُ قِيمَةُ مِثْلِهِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ كَأَنَّ غَصَبَهُ عَبْدًا فَلَمْ يَجِدْهُ فَلَهُ قِيمَتُهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لِلَّذِي غَصَبَهُ دَنَانِيرَ وَلاَ دَرَاهِمَ وَوَجَدَ لَهُ عَرْضًا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ عَرْضَهُ الَّذِي وَجَدَ فَيَسْتَوْفِيَ قِيمَةَ حَقِّهِ وَيَرُدَّ إلَيْهِ فَضْلَهُ إنْ كَانَ فِيمَا بَاعَ لَهُ وَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ الْأَغْلَبُ بِهِ الدَّنَانِيرُ بَاعَهُ بِدَنَانِيرَ وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ بِهِ الدَّرَاهِمَ بَاعَهُ بِالدَّرَاهِمِ قَالَ وَإِنْ غَصَبَهُ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ حَتَّى نَقَصَ ثَمَنُهُ، أَوْ عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ حَتَّى كُسِرَ، أَوْ أَعْوَرَ عِنْدَهُ أَخَذَ ثَوْبَهُ وَعَبْدَهُ وَأَخَذَ مِنْ مَالِهِ قِيمَةَ مَا نَقَصَ ثَوْبُهُ وَعَبْدُهُ عَلَى مَا وَصَفْنَا‏.‏